" الفكر عطية كبرى من الله وأحد عناصر الصورة في الإنسان، لذا لا يجوز الكفر به بحجة ما قد يقع فيه من شطط وغرور"
الطالب في الحركة

أ- الطالب في الدعوة الحركية:

ان الدعوة الحركية توجه إلى الطالب من حيث أنه شاب أولا ومن حيث أنه طالب ثانيًا. فالدعوة الحركية، التي ليست هي في الأساس سوى دعوة الرب الدائمة إلى التجدد الروحي في الفرد والمجموع، تنسجم كل الانسجام مع متطلبات الشباب وقيمه الرائعة وحاجاته العميقة. إنها تلائم حيوية الشاب الفياضة وحماسه الملتهب وحبه للمغامرة والأخطار إذ أنها تدفع به إلى المغامرة الروحية الكبرى، مغامرة الدخول العنيف إلى ملكوت الله الذي يؤخذ اغتصابًا كما يقول الرب يسوع.

إنها توافق مثالية الشباب وتحسسه العميق للقيم السامية إذ إنها تطلب منه أن يهب ذاته لذاك الذي هو الينبوع الأزلي المطلق غير المتناهي للحق والخير والجمال وتدعوه ليجاهد حتى الموت لتحقيق أسمى غاية ألا وهي ملكوت المحبة والنور والسلام والفرح والحياة – الذي يبدأ من هذه الأرض – إنها تنسجم مع رغبة الشاب في تكوين شخصيته وإثباتها إذ تقدم له الرب يسوع موحدًا وموطدًا لكيانه المجزأ وتعطيه فرصة لهذا الالتزام الكلي الذي يصبو إليه الشاب بملء جوارحه لأنه وحده قادر أن يوحد كيانه وينقذه من التبعثر.

أن الدعوة الحركية إذًا تتوجه إلى كل تلك القوى الفتية التي تغلي في عروق الطلاب، طالبة أن توضع كل قوى وقيم الشباب في خدمة الرب الذي يمكنه وحده أن يحقق رغبات الشباب العميقة ويحفظه من الذبول. لذلك شعر الشباب منذ تأسيس الحركة حتى الآن بانسجام الدعوة الحركية مع متطلبات كيانهم الفتي، فانشدوا: "لقد رأينا، ونحن في العشرين من العمر، أجمل أحلامنا".

ولكن الطالب شاب مثقف ولذلك تتوجه إليه الدعوة الحركية بمطالب خاصة:
1) يُطلب منه أن ينمي مواهبه الفكرية التي أعطاه إياها الله ليتقرب من ذاك الذي هو المعرفة المطلقة ومصدر كل علم، ذاك الذي على حد تعبير المزامير، "يعلّم الناس العلم". لقد كان الفيلسوف مالبرنش Malebranche يقول: "إن الانتباه هو صلاة العقل" وهذا القول يمكن أن يطبق على الدراسة إجمالا، فإذا مارسها الطالب الحركي بجد وامعان وتعطش إلى الحقيقة، فإن دراسته تصبح امتدادًا إلى ينبوع المعرفة، إلى الله، أي أن دراسته تصبح عندئذ صلاة.

2) يُطلب منه أن ينفتح إلى الأمور والقضايا الروحية ليس فقط بقلبه وإرادته بل بفكره أيضًا لأن الله حياة ولكنه أيضًا حق وهو الحقيقة المطلقة. لذلك فعلى الطالب الحركي أن يكتسب ثقافة دينية متينة مبنية على دراسة رصينة لنصوص الكتاب المقدس وللآباء والكتب العقائدية وسائر الكتب الدينية ذات المستوى الرفيع والأبحاث الفلسفية ذات الوحي المسيحي  والمؤلفات الأدبية من شعر وروايات وتمثيليات ذات وحي مسيحي ، ولا يجب أن ينسى الطالب الحركي أن الثقافة الدينية الصحيحة تتطلب لتُستوعب تمامًا أسسًا من المعرفة الفلسفية والتاريخية لابد من اكتسابها.

3) يُطلب من الطالب الحركي أيضًا أن يحتك بالتيارات الفكرية الحديثة (وبنوع خاص بالماركسية والوجودية) وبالحركات السياسية والاجتماعية التي يتمخض بها عالمنا في هذه الفترة العصيبة من نموه الأليم وبالمشاكل الإنسانية جميعها، ليبحثها بتفهم وتواضع ومحبة، في نور المسيح. هناك كتب دفاعية لا بد من اللجوء إليها لمحاورة غير المؤمنين  وتثبيت ذوي الإيمان المتزعزع، ولكن هناك مجابهة أكثر إيجابية للتيارات الحديثة نجدها في كتب الفلاسفة المذكورة أسماؤهم آنفًا الذين مر البعض منهم في الإلحاد قبل أن يهتدوا إلى المسيحية . على كل يُطلب من الطالب الحركي أن يكون في احتكاكه بالتيارات غير المسيحية منتبهًا إلى كل ما في التيارات من نواح إيجابية ومن حقائق جزئية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ويمكنها أن تساعد على إغناء النظرة المسيحية إلى الكون.

كل ذلك يساعد الطالب الحركي على تكوين ذلك الفكر المسيحي الذي كان يشكو مورياك من عدم وجوده عند الكثيرين ممن تربوا في مدارس مسيحية، ذلك الفكر الذي يُعتبر تكوينه أحد أهداف الحركة يعبّر عنه مبدأوها الثالث اذ يقول: "تسعى الحركة لإيجاد ثقافة أرثوذكسية تستوحي عناصرها من روح الكنيسة". ان أحد الأسباب الرئيسية لأزمات الإيمان التي تهدد الشباب هو التفاوت الفاضح بين ثقافة عامة عالية أو متوسطة اكتسبوها على مقاعد المدرسة أو الجامعة وثقافة دينية لا تتعدى الصعيد الابتدائي. إن هذه الثنائية المريعة إما إنها تذهب بالإيمان إما إنها تفصله تمامًا عن نطاق التفكير الشخصي فتضعفه محولة إياه إلى مظهر عاطفي فيه الكثير من "الولدانية" (infantilisme)، وعلى كل فإنها تضعف الشهادة المسيحية في عالم يتمتع فيه العلم والثقافة بمكانة مرموقة وسلطة عليا.

أما اكتساب الثقافة الدينية التي تكلمنا عنها فيثبّت الطالب في إيمانه ويغذي هذا الإيمان بنتاج الفكر ويدخل الشاب إلى صميم الفكر والمعترك الإنسانيين ليكون حقًا خميرًا في العجين كما يليق بتلميذ يسوع. إن اكتساب ثقافة عامة واسعة ترتكز في وسطها ثقافة دينية متينة تنيرها من الداخل، يتطلب من طلابنا جهادًا متواصلاً. لقد قال لي أحد معارفي وهو مجاهد ماركسي: إن من أراد أن يتثقف حقًا في بيئتنا عليه أن يعيش حياة ناسك متقشف، وإنني كثيرًا ما أتذكر كلمته هذه وقد علمني الاختبار أنه محق، فبيئتنا تدعو دون انقطاع إلى اللهو الرخيص والى علاقات اجتماعية تحتكر الإنسان في كل أوقات فراغه ولا تعتبر العلم في معظم الأحيان إلا كواسطة للربح الجزيل. يجب أن نفهم ذلك، اخوتي طلاب الحركة، وان لا نقبل بالوضع الراهن كما أرى الكثيرين منا يقبلون به مجارين التيار. المسيحية أيها الاخوة هي دعوة إلى الحرية، حرية أبناء الله، إلى التحرر إذًا من وطأة بيئة خانقة. والتحرر لا يتم إلا بالصليب. أليس الصليب الخاص الذي يطلب الرب من طلاب الحركة أن يحملوه هو سعيهم، الأليم أحيانًا، نحو هذه الثقافة التي تمكنهم من تلبية دعوة المسيح إليهم كطلاب؟

4) ان الطالب الحركي ينتمي إلى تيار إصلاحي ظهر منذ سنة 1942 في الكنيسة الأرثوذكسية الانطاكية. لذلك ينتظر منه كمثقف أن يدرس بتعمق الفكرة النهضوية الحركية وذلك من خلال مبادئ الحركة وشروحها وما قامت به الحركة من أعمال وما نشره قادتها من خطب وبيانات. وهكذا يتسنى له أن يعمل في سبيل النهضة عن وعي وفهم وأن يبث الفكرة النهضوية الحركية بين الأرثوذكسيين.

5) ولكن الطالب الحركي لن ينسى أن "العلم ينفخ ولكن المحبة تبني" على حد تعبير الرسول بولس. ومن تصفح باسكال وجد أن هذا المفكر المسيحي العظيم والمؤمن الرائع يضع "رتبة المحبة" في درجة أعظم بكثير ليس فقط من"رتبة الأجساد" أي القوة المادية بل من"رتبة العقول" أي القوة الفكرية أيضًا . ذلك لأن الله المحبة ولأن المحبة وحدها تنير وتحيي المعرفة وتجعلها طريقًا تقود إلى الله. تلك المحبة التي تبني هي الانفتاح البنوي المتواضع إلى سر المحبة الإلهية الذي يفوق كل وصف وكل علم، إلى غنى هذا السر الذي لا يحصى ولا يُحدّ، "non inventoriable" على حد تعبير غبريال مرسيل، هي أيضًا المحبة للآخرين وعوض التشامخ، النزول إلى مستوى أدنى الناس علمًا لرفعهم.

ب- الطالب في الجهاز الحركي:

1) أرى انه لأمر مستحب جدًا أن يؤلف الطلاب في المركز شعبة خاصة وذلك لأن هذه الفئة من الأعضاء لها وضعها الخاص وقضاياها ومشاكلها الخاصة ولها بيئة خاصة ينبغي أن تؤدي فيها الشهادة كما أن لها نفسيتها الخاصة التي تتأثر بالجو الدراسي وإمكانياتها الخاصة أيضًا. يعين رئيس المركز مسؤولا عن شعبة الطلاب وهذا بدوره يشكل مجلس الشعبة الذي يبحث ويبت في كل شؤون الشعبة.

2) يقسم الطلاب إلى فرق على أساس اختلاف المدارس والصفوف ويجعل لكل فرقة رئيس ينتخبه أعضاء الفرقة أنفسهم بإشراف المسؤول عن شعبة الطلاب.

 3) بالنظر إلى أن نفسية كل من الجنسين وحاجاته تختلف عن نفسية وحاجات الجنس الآخر، ونظرًا للوضع النفساني الخاص الذي يجابهه المراهقون من طلابنا وطالباتنا، ونظرًا للوضع الاجتماعي الذي نعيش فيه، أرى أن تكون في المركز شعبتان إحداهما للطلاب والأخرى للطالبات. لكن بالنظر إلى أن الجنسين يكملان أحدهما الآخر، لذلك أرى أن تجري من وقت إلى آخر اجتماعات مشتركة بين مجلس الشعبتين وذلك لتبادل الاختبارات والتعاون على حل القضايا المشتركة وتوحيد النشاط الرسولي. كما انه يمكن أن يعقد من وقت إلى آخر اجتماع طلابي يضم أعضاء الشعبتين.

 4) ولا يمكن لشعبة الطلاب أن تنعزل عن الجسم الحركي العام بل ينبغي أن تقوم بمهمتها كعضوة في هذا الجسم متأصلة في كيانه، فتنمو هكذا باشتراكها في حياته كما إنها بدورها تزيده نشاطًا وقوة. يجب أن يجتنب أعضاؤها الانكماشية القتالة وأن يفهموا انهم حركيون قبل أن يكونوا أعضاء في شعبة الطلاب وانهم بالتالي يساهمون مع جميع إخوانهم من عمال وعاملات وفلاحين وموظفين وربات عائلات الذين منذ سنة 1942 حتى الآن سمعوا دعوة الحركة واندمجوا في تيارها. لذلك يجب عمليًا:
أ – أن يشترك الطلاب في الاجتماعات العامة التي يعقدها كل من المراكز لأعضائه شهريًا، فيستمعون إلى التوجيهات العامة ويطلعون على أخبار نشاط سائر الشعب الحركية الأخرى ويعرضون بدورهم أخبار جهادهم وأثمار اختباراتهم.

ب - أن يشترك المسؤول عن شعبة الطلاب والمسؤولة عن شعبة الطالبات في المركز باجتماعات دورية تعقد للمسؤولين عن الشعب الحركية للتعاون وتبادل الأخبار والاختبارات.
ج – أن يعين بعض الطلاب المجاهدين في مجلس المركز فيمثلون فيه الوجه الطلابي للحركة ويتدربون فيه على المهام الإدارية التي يمكن أن تسند إليهم في المستقبل. (ويُرغب أن تمثل في مجلس المركز جميع فئات الأعضاء).

 ج – الطالب في فرقته:

 1 – أن الوحدة الحركية الأساسية كانت ولا تزال الفرقة. تضم الفرقة في شعبة الطلاب طلابًا أو طالبات تجمع بينهم روابط الأِلفة وينتمي هؤلاء عادة إلى مدرسة واحدة وصف واحد. غاية الفرقة أن يعتاد الطالب على ممارسة حياة الشركة التي هي الحياة الكنسية الحقة.

2 – إن وجود الفرق ينسجم كل الانسجام مع حاجات الشبيبة في هذا الطور الانتقالي الذي يناسب سن معظم طلابنا. ففي هذا الطور يشعر الشاب برغبة ملحة في تكوين وتثبيت شخصيته وكثيرًا ما تؤدي به هذه الرغبة إلى نوع من الانعزال والانكماش يعيش فيه الشاب كأنه محور الكون (égocentrisme) وينشغل عن كل شيء بالتلذذ بنفسه (narcissisme)، ولكنه يشعر أيضًا بعدم اكتمال شخصيته هذه وبالمتناقضات التي تمزقها، لذلك يرغب في الاستناد إلى غيره. ثم انه، إذ يكتشف وجوده الشخصي يكتشف بالآن نفسه وجود الآخرين كأشخاص ويرغب في إيجاد علاقات شخصية معهم تختلف عن العلاقات الجماعية، الخارجية (collectives et objectivées) التي كانت تربطه وهو طفل برفاقه. لذلك فوجود الفرقة إذا لم يُفرض تشكيلها على الأعضاء فرضًا بل روعيت فيه حريتهم في اختيار رفاقهم – يحقق حاجات الشاب العميقة: فمن جهة يعطيه مجالاً لتحقيق ملء شخصيته (وذلك بالنشاط الذي يُطلب منه أن يبديه ضمن إطار حياة الفرقة) ومن جهة أخرى يحول دون انكماش هذه الشخصية على نفسها إذ يجعلها متحدة متضامنة مع الآخرين، منفتحة لهم، تعمل معهم ومن أجلهم، وهكذا يتحقق ميل الشاب إلى سند معنوي له والى الاتصال بشخصيات أخرى والانفتاح لها، فلا يعود يشعر بتلك العزلة الأليمة التي هي من مشاكل هذا السن وآلامه.

3 – لا يمكن أن تكون الفرقة وحدة ثقافية فحسب. وقد قرر المؤتمر الحركي العام الأخير المنعقد في الشوير سنة 1953 أن الوحدة الثقافية يمكنها أن تضم عدة فرق تتمتع بالمستوى الثقافي ذاته وان الفرقة هي بالأساس وحدة حياتية. وذلك يعني: 

أ – أن أعضاء الفرقة يشتركون في حياة الصلاة. يجتمعون من وقت إلى آخر في منزل أحدهم أو في بيت الحركة لتلاوة قانون يسوع أو الباراكليسي أو صلاة النوم الصغرى أو غير ذلك (هكذا تأسست في العام الماضي في طرابلس حلقات صغيرة على أساس الأحياء المختلفة يجتمع فيها الطلاب كل مساء لتلاوة صلاة النوم الصغرى والقيام ببعض التأملات الروحية) يتناولون من وقت إلى آخر القرابين المقدسة سوية بعد استعداد مشترك، ويتعهد كل منهم أن يذكر أعضاء فرقته واحدًا واحدًا في صلاته كل يوم.

ب – أن أعضاء الفرقة يشتركون في حياتهم العادية أيضًا، فلا يجمعهم فقط الاجتماع الحركي ولكنهم يلتقون كثيرًا للتحدث سوية ويزورون بعضهم بعضًا ويتبادلون الكتب ويتفقون من وقت إلى آخر على مشاهدة فيلم قيم في العشية نفسها أو على الاشتراك في رحلة. إن مرض أحدهم يعودونه وإن أصيب يؤاسونه وإن أحرز نجاحًا في امتحان يشاركونه الفرح. إن لم تعبر الوحدة الحركية عن نفسها في الفرقة بمظاهر كهذه في صميم الحياة، كما كان المسيحيون الأولون يعبرون عن وحدتهم ليس فقط بالصلاة المشتركة وكسر خبز سر الشكر سوية بل بوحدة الصندوق أيضًا كما يروي سفر أعمال الرسل، فهناك مجال للشك في صدق وعمق ومتانة وحدة كهذه. ولنتصور أهمية هذه الحياة المشتركة لرفع معنويات الطالب الشاب الذي لم يعد يكفيه الجو العائلي لكنه أخذ يبحث عن مجتمع آخر يختاره هو، فان لم يجده تعرض لكل الانحرافات يستسلم إليها ليتخلص ولو برهة من شعوره الأليم بالوحدة. وجود تلك الشركة الحياتية الفرقية ضروري خاصة في المدن الكبرى التي يزداد شعور الوحدة فيها بازدياد الناس وحركتهم وضجتهم.

ج - هناك أيضًا اجتماع حياتي يمكن أن يعقده أسبوعيًا أعضاء الفرقة ويختلف عن الاجتماع الثقافي بأنه اجتماع يُعتبر فيه تحصيل المعلومات ثانويًا بالنسبة إلى الدخول في جو من الشركة المسيحية. وقد حاول مركز طرابلس عقد اجتماعات من هذا النوع لفرقه الطلابية. فعلى أساس هذا الاختبار يمكن وضع برنامج للاجتماع الحياتي على الوجه التالي: يعقد الاجتماع في منزل أحد الأعضاء لكي يسوده جو عائلي بحت. يتحدث فيه الأعضاء عن شؤونهم المختلفة: شؤون حياتهم الطلابية وما قرأوه من كتب وما شهدوه من أفلام الخ... يلخص أحدهم كتابًا قيمًا قرأه  أو يتحدث عن فيلم شاهده، ويجري البحث حول محتويات هذا الكتاب وهذا الفيلم ويتطرق إلى معالجة أمور شتى من عقائدية وروحية وأخلاقية... يتحدث الطلاب عن بيئتهم المدرسية، عما يصادفونه من نجاح وعقبات في شهادتهم المسيحية، يتذاكرون في الاتصالات والمحاورات التي جرت بينهم وبين رفاقهم. تُقرأ أحيانًا مقاطع من الكتاب الذي جرى البحث فيه أو من كتاب تأملات روحية وتنشد تراتيل كنائسية أو أناشيد حركية ثم يختم الطلاب اجتماعهم بصلاة تلقائية منبثقة من صميم حياة الفرقة ويشتركون بعدئذ بنزهة صغيرة. ولكي يحتفظ اجتماع كهذا على طابعه الحياتي البحت ينبغي أن لا تهيأ مسبقًا إلا خطوطه الكبرى على أن يترك الجزء الأكبر من محتواه لوحي الساعة.

4 – لا ينبغي أن يتجاوز أعضاء الفرقة الثمانية لكي تبقى العلاقات فيها من شخص إلى شخص وإلا فقدت معناها كفرقة.

5 – يفرض بالطبع أن يكون للفرقة رئيس يقودها. ويطلب من هذا الرئيس أن يكون ذا غيرة رسولية متقدة وأن يتمتع في الوقت نفسه بتلك الجاذبية الشخصية التي تجمع حوله الأعضاء وتمكنه من التأثير عليهم، أن يكون ذا شخصية قوية وحياة روحية عميقة وأن يبدد بنشاطه كل خمول وإهمال وكسل، موقظًا بمثاله روح الحمية والمسؤولية والتضحية في النفوس. وعلى أساس هذه الشروط يجب أن يُنتخب الرئيس.

6 – يجب أن يفتح المجال في حياة الفرقة لنمو المواهب الشخصية التي يتمتع بها أعضاؤها. ينبغي تشجيع تنويع المواهب على أن تنسجم كلها في خدمة الفرقة وأعضائها ونشاطها ورسالتها، على منوال ما يقوله الرسول بولس عن تعدد المواهب التي يوزعها الروح الواحد لبناء الكنيسة. لذلك يطلب ممن عنده مؤهلات موسيقية أن يهذب الذوق الموسيقي في رفاقه وأن يعلمهم إذا أمكن التراتيل الكنائسية، وممن عنده مؤهلات أدبية أن ينتقي المؤلفات والمقاطع الأدبية التي يمكن لأعضاء الفرقة أن يغتذوا بها فكريًا وروحيًا، وممن عنده معرفة خاصة للكتاب أن يتلو في اجتماع الفرقة تأملات كتابية أو شرحًا للنصوص، وممن له خبرة خاصة بالسينما أن يوجه رفاقه نحو تفهم الأفلام ونقدها، أما من كان عنده مواهب إدارية أو اجتماعية فيطلب منه أن يستلم مالية الفرقة أو أن ينظم الرحلات التي تقوم بها ...

7 – تشترك الفرقة معًا في النشاط الرسولي وهذا ما يقوي بين أعضائها روابط الاتحاد والمحبة. سنتكلم بعد برهة عن النشاط الرسولي الذي ينبغي للطلاب أن يقوموا به ولكنني أكتفي هنا بالإشارة إلى أن الفرقة بكاملها تقوم بهذا النشاط متحدة متضامنة، فتعمل خاصة على تغيير جو الصف الذي ينتمي إليه أعضاؤها أو المدرسة التي يتلقون فيها علومهم، وتبحث الفرقة في اجتماعها الحياتي ما وصل إليه عملها الرسولي وتضع الخطط المشتركة لمتابعة العمل. كما انه يرغب – بموجب اقتراح الأخ رئيس مركز بيروت – أن تنخرط الفرقة بأجمعها في أحد فروع النشاط الحركي فتعمل مثلا كلها في منظمات الطفولة أو في الفروع، وفي هذه الحال يستعد أعضاؤها سوية في اجتماعاتهم للقيام بهذه الرسالة، وهذا أيضًا مما يوحد بينهم.

مَلاحق

هذه الملاحق كانت قد أعدّت لتضاف إلى المقال، ولكنها لم تُنشَر في حينه لذا نثبتها في ما يلي:
1- ملحق لشهادة الطالب الحركي في المدراس الأرثوذكسية
يجد الطالب الحركي مبدئيًا في المدارس الأرثوذكسية جوًّا ملائمًا لنموّ الحياة الروحية، وذلك بالنظر إلى توفّر الخِدَم الالهية ودروس التعليم الديني وغير ذلك... إلا انه يجب أن لا يخفى عليه أن هذه الضمانات يمكن أن تأتي بنتائج معاكسة للتي وُضعت في الأصل من أجلها. وذلك لأن تلك النشاطات الدينية، من حيث أنها جزء لا يتجزأ من النظام المدرسي، يُمكن أن ينظر إليها الكثيرون من الطلاب على أنها نوع من الروتين المدرسي، وبالتالي أن يُخليها من أي معنى روحيّ أصيل، لا بل على أنها عنصر إكراه كسائر فرائض النظام الذي يضطرون إلى الخضوع له في المدرسة، ومن جراء ذلك قد يبتعدون نفسانيًا عن الايمان، معتبرينه نيرًا لا بدّ من خلعه عنهم حالما يتحررون من سطوة النظام المدرسيّ.

دور الطالب الحركي إذًا، في المدارس الأرثوذكسية، هو أن يمارس النشاطات الدينية التي توفّرها مدرسته، ليس كمن فُرضت عليه فرضًا، أو كمن يمارس أعمالاً روتينية لا حياة فيها ولا روح، بل بمحبة وتحسّس واندفاع، كمن يستقي من ماء حيّ يروي به غليله. هذا النمط من السلوك من شأنه أن يثير أسئلة لدى رفاقه وقد يقنعهم بأن في تلك النشاطات التي بدت لهم رتيبة وشكلية وكُرهيّة، تكمن حياة حريّة بأن تُبتغى وحلاوة تجتذب وحقّ جدير بأن يُسعى لاكتشافه.

2- ملحق لشهادة الطالب الحركي في المدارس المسيحية غير الأرثوذكسية. 

لا تنفي شهادة الطالب الحركي للحقيقة الأرثوذكسية سعيه الحثيث إلى تقارب القلوب وإلى التفاهم الحبّي مع المسيحيين غير الأرثوذكسيين الذين يحتكّ بهم بوميًا في مدرسته. هكذا يجسّد في بيئته الراهنة تلك الروح المسكونية التي انطلقت منذ أواسط القرن العشرين وأخذت تخلق أكثر فأكثر، رغم ما يعترضها من عثرات، مناخًا جديدًا في العلاقات بين المسيحيين من مختلف المذاهب.

3- ملحق لشهادة الطالب المسيحي في مختلف المدارس. 

يُنتظر أيضًا من الطالب الحركي أن يوحي لرفاقه، بكلامه وسلوكه، نظرة واعية، صافية، رصينة، إلى أمور الجنس، نظرة متحررة بآن من الانفلات والتزمت، منفتحة بلا خوف على المعطيات الانسانية في نور التجسّد وأفق التجلّي.

أخيرًا لا بدّ من الإشارة إلى أن كلّ شهادة للمحبة الأصيلة يؤدّيها الطالب الحركيّ في بيئته المدرسية إنما هي شهادة للمسيح وتمهيد لملكوته. والمحبة هذه تعاش في أصغر الأمور: "لقد كنتَ أمينًا على القليل، فسأقيمك أمينًا على الكثير". إنها توحي باسلوب خاص في المعاملات اليومية. فتلامذة الصف الواحد، وإن جمعهم مكان واحد لعدة ساعات في النهار، وإن تقاربت أجسادهم على مقاعد الدراسة، إلا أن التداخل الحقيقي بينهم كثيرًا ما يكون شبه معدوم.

ذلك أن الشريعة التي تسود علاقاتهم الراهنة، تؤيدها قواعد التربية التقليدية، إنما هي شريعة التنافس التي يعبّر عنها التعبير الشعبي: "يا ربّ نفسي!"، والتي لا تخفف من حدّتها سوى روابط سطحية تفرضها الحياة المشتركة، أو تكتّلات لا يوحّد بين عناصرها سوى ارتباطها بشخصية طلابية بارزة أو رغبتها في تحدّي النظام المدرسي. فغالبًا ما يكون طلاب الصف الواحد مضافين بعضهم إلى بعض ولكن غير متداخلين وجدانيًا. دور الطالب الحركي، والحالة هذه، أن يخرج من عزلته في تلك المجموعة من العزلات الفردية، فيبادر إلى الاهتمام بالاخرين اهتمامه بنفسه. يفتح لهم قلبه، يتحسس لمشاكلهم، ينتبه لوجود كل واحد منهم بما فيه من فرادة.

هكذا يساهم في إخراجهم بدورهم من العزلة إذ يشعرهم بأنهم محبوبون. ثم إنه يقدّم لهم بكل تواضع خدمته. فالقوي مثلاً في مادة من المواد الدراسية لا يكتفي بقوته ويستأثر بها، بل يأخذ على نفسه ضعف الضعفاء فيها وجزعهم من الامتحانات ومرارة شعورهم بالنقص والتقصير، مستلهمًا وصية الرسول: "علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء ولا نُرضي أنفسنا". فيعرض عليهم مساعدته بكل تأنٍّ، متحاشيًا أن يجرح شعورهم: "ما رأيك بأن نحلّ يوميًا بعض المسائل الحسابيّة معًا، ليستفيد كلانا من هذا التمرين؟". هكذا يشهد الطالب الحركيّ للمحبة، فيساهم في تحويل صفّه، شيئًا فشيئًا، من تراكم إلى شركة، فيتلمّس رفاقه، من خلال محبته المعطاءَة دون ترفّع وغير المشروطة، الينبوع الإلهي الذي منه تتدفق: "لم يكن هو النور بل ليشهد للنور".

هذه المحبّة، كونها غير مشروطة، لا تعرف الحدود. إنها تشمل الرفاق كلّهم، مهما كانت أمزجتهم (وليس "القريب للقلب" فقط) وأيا كانت بيئتهم ومعتقدهم. هكذا يتضح أنها "ليست من اللحم والدم" لأنها تسمو على الروابط العاطفية والتكتلات الاجتماعية، وإنها من الله تأتي وإليه تشير.

12/1/2005
ك. ب.