1- مقدمة : لماذا اخترنا حياة غاندي؟
- لأنه نقيض العنف والتعصب الفئوي، وهما من آفات عالم اليوم.
- لأنه جمع إلى اللاعنف أصلب الكفاح، ورأى في اللاعنف لا استكانة بل قوة تقوّض الظلم.
- لأنه لم ير من تناقض بين الطهر والنضال، ولكنه آمن أن ذاك شرط نجاح هذا.
- لأنه جمع إلى مناجاته الدائمة لله التزامًا دائمًا لواقع الدنيا بكل تعقيداته، فكان نضاله صلاة.
- لأنه لم يكن أسطورة حية بل إنسـان تكتنفـه العيوب ولكنه دأب على تحويل نفسه - كما والكون – بنور الله.
- لأنه كتب كثيراً لينشر رسالته، إنما أبلغ تعبير عنها كان حياته: "رسالتي هي حياتي".
ذلك هو غاندي الذي لُقِّب بـ "المهاتما"، أي "الروح الكبيرة"، ولكن التسمية المحببة لديه كانت "بابو" (الأب) أو لقب "باي" (أخ) الذي كان يبادره به الفقراء.
الحقبة الأولى من حياة غاندي ونضاله
(1869-1914)
1- لمحة عن الهند تحت الاستعمار البريطاني
• استعمرت الهند بريطانيا منذ سنة 1650، واعتبرتـها الجزء الأهم من إمبراطوريتها الشاسعة.
2- نشأة غاندي
• ولد موهانداس كارمشاند غاندي في 2 تشرين الأول 1869.
3- سفره إلى إنكلترا
• نصحه صديق للعائلة، وهو من فئة البراهمة، أن يسافر إلى إنكلترا لمتابعة التحصيل العلمي، علّه يتبوأ لاحقًا المنصب الحكومي الذي شغله جدّه ثم والده.
4 – تعثّر عمله الحقوقيّ في الهند وسفره إلى جنوب أفريقيا
• عاد غاندي إلى الهند وعمل محاميًا وطمح بالشهرة ولكنه لم يوفق في مهنته لأنه لم يكن خبيرًا بالقانون الهندي فضلاً عن انه كان يعاني من حياء مرضي، فاضطر إلى إعطاء دروس ليعتاش مع عائلته التي صارت تضم طفلين.
5- غاندي في جنوب أفريقيا
• وصل غاندي إلى مقاطعة "ناتال" في آخر أيار 1893.
في بداية 1894، كان غاندي مستعدًا للعودة إلى الهند بعد الانتهاء من مهمته الحقوقية، وقد أقام له موكله بهذه المناسبة حفلة وداع وفي أثناء هذه الحفلة وقع نظره صدفة على جريدة ذُكر فيها أن البعض من الحكّام البيض تقدم بمشروع قانون يرمي إلى إلغاء الحق الذي كان لبعض الهنود بانتخاب ممثلين لهم في المجلس التشريعي لدولة الناتال. وسرعان ما هبّ إلى تنبيه مواطنيه إلى مخاطر الأمر، فما كان من هؤلاء إلا أن سألوه البقاء فوافق ظنا" منه أنه لن يعوزه سوى تأجيل سفره بضعة أسابيع فحسب.
ثم تمّ الاتفاق على أن توجّه عريضة ضخمة إلى وزير المستعمرات البريطاني وقد بذل غاندي جهدًا كبيرًا في إعداد العريضة ودعم حجة الهنود. وقد جمع عشرة آلاف توقيع عليها خلال أسبوعين من مقاطعة الناتال كلها، على يد متطوعين حاذقين كان عليهم أن لا يأخذوا توقيعًا من أحد إلا بعد أن يكون الموقّع قد فهم مضمون العريضة فهمًا كاملاً. وكانت القرى مبعثرة على مسافات بعيدة فقام المتطوعون بالتجوال عليها بحماسة وعزيمة، ولم يطالب أي متطوع منهم حتى بالنفقات التي دفعها من جيبه. رفعت العريضة وأرسلت نسخ منها إلى الجرائد الهندية والإنكليزية، فتعرّف الرأي العام الهندي لأول مرة على وضع الهنود في ناتال. وأيدت "التايمس" اللندنية المطالب الهندية وبدأ الأمل يبرز بأن القانون سوف ينقض، وهو ما حصل فعلاً فيما بعد.
طلب الهنود من غاندي أن يبقى في أفريقيا الجنوبية إلى ما شاء الله. فاشترط عليهم أن لا يتقاضى أي أجر عن الخدمة العامة وذلك لعدة أسباب منها أنه يوّد أن يبقى مستقلاً عنهم ليتسنى له أن يقول لهم، بين الحين والحين، أشياء قاسية بوصفه صديقهم وخادمهم، بالمقابل طلب منهم أن يوكلوه بأعمالهم القانونية ليعتاش منها، مع انه ليس محاميًا أبيض ولا يستطيع أن يكفل النجاح في مهماته. فقبلوا وبقي غاندي في ناتال وقد قال بهذا الصدد. "كنت قد قصدت إلى جنوب أفريقيا إبتغاءً للرحلة (...) ولكسب الرزق، ولكن وجدت نفسي (...) أبحث عن الله وأناضل من أجل تحقيق الذات".
6- انطلاق النضال اللاعنفيّ في جنوب أفريقيا (1906 – 1914)
• وفي 11 أيلول 1906 انطلقت حركة النضال اللاعنفيّ في جنوب أفريقيا ضد التمييز العنصري. وقد سماها غاندي "ساتياغراها" أي قوة الحقيقة، ودامت حتى 1914 حين عاد غاندي نهائيًا إلى الهند.
وفي خطوة ثانية، عبر متطوعون اختيروا بدقة الحدود من ناتال إلى الترانسفال دون شهادات تسجيل، وكان بينهم غاندي نفسه، وأكبر أبنائه هاريلال الذي كان قد حضر من الهند وانضم إلى الحركة، فقبض عليهم. قبض على غاندي أيضًا في 10 تشرين الأول 1908 وسجن للمرة الثانية. كذلك سجن للمرة الثالثة في 25 شباط 1909.
7 – تصعيد النضال
• ثم تصعدت المعركة اثر صدور قوانين جائرة جديدة :
o قانون الجنيهات الثلاثة، وهو يلزم كل عامل هندي من ذوي العقود بدفع 3 جنيهات، عند انتهاء عقده، عن نفسه وعن كل فرد من أفراد عائلته تجاوز ألـ 16 سنة إذا كان من الذكور أو ألـ 13 سنة إذا كان من الإناث، وإلا تجدد هذا العقد بشروطه القديمة. وكان القصد من هذا القانون ربط الأجير بخدمة سيده ربطًا مؤبدًا.
o قرار صادر عن المحكمة العليا في مستعمرة الرأس يصرّح بأن الزيجات المسيحية وحدها تعتبر شرعية في جنوب أفريقيا وقد جعل هذا القرار جميع الزوجات الهنديات محظيّات وأبناءهن أبناء زنى، مما أثار غيظ الهنود أكثر من أي شيء سبق ذلك، وكانت النساء لم يشاركن حتى ذلك الحين بشكل فعال في الحركة ولكن هذا القرار أثار ثائرتهن ودفعهنّ، وكذلك الرجال، إلى ذروة التصميم على التضحية.
o في رد على هذا المزيد من الظلم، قرر غاندي أن تُقدم مجموعة من النساء على عبور الحدود من الترانسفال إلى ناتال دون تصريح. بينما تقوم مجموعة أخرى بالعبور من ناتال إلى الترانسفال دون تصريح. اعتقلت شرطة الترانسفال المجموعة القادمة من ناتال وبينهن كاستورباي زوجة غاندي، وحكم عليهن بالسجن ثلاثة أشهر. أما الجماعة التي دخلت إلى ناتال فلم تُعتقل. لذا توجهت إلى مناجم الفحم في نيوكاسل وطلبت من المتعاقدين أن يضربوا عن العمل، ففعلوا.
o توجه غاندي إلى نيوكاسل وتحدث إلى عمال المناجم المضربين وحثهم على أن لا يتبعوه إلا عن قناعة وصوّر لهم شدة ما سيتعرضون له من سؤ معاملة إذا تبعوه، وعندما وجد أن ليس بينهم شخص واحد متردد، قرر أن يسير معهم عبر الحدود إلى الترانسفال ويدخلون السجون لمخالفتهم هذه ، وكان على أتباعه أن يتحملوا كل أنواع سؤ المعاملة دون مقاومة. وعلى عادته أعلم غاندي حكومة جنوب أفريقيا أن "جيشه" كان على وشك التحرك وبعد إقامة الصلوات في صباح السادس من تشرين الثاني 1913 بدأت المسيرة.
o في أول عبور حدود الترانسفال ألقي القبض على غاندي ولكن جيشه كان قد تلقّى الأوامر بالاستمرار في المسير. أمام القاضي اعترف غاندي بالطبع بأنه مذنب وطلب إنزال أقصى العقوبة به. حاول القاضي التهرب فطلب شهود إثبات. عندئذ شهد اثنان من أصدقاء غاندي عليه، فنال عقوبة أشغال شاقة لمدة 3 أشهر.
o ألقي القبض على "الجيش" وأعيد تحت الحراسة إلى مناجم الفحم في نيوكاسل، ولكنه رفض العودة إلى العمل رغم أن العمال جلدوا بالسياط عراة تحت لهيب الشمس.
o وانتشرت حركة الإضراب وامتدت بسرعة هائلة حتى شملت خمسين ألف عامل متعاقد وتطوع الناس في جميع أنحاء البلاد لمخالفة القوانين سعيًا وراء إلقاء القبض عليهم، حتى أن سجون أفريقيا الجنوبية ضاقت بآلاف المعتقلين. وتناقلت الدنيا هذه الأنباء، فقامت حملة شعواء على سلطات أفريقيا الجنوبية في بلدان أفريقيا وآسيا ولدى الأحرار والشرفاء في أوروبا. واضطر نائب الملك في الهند إلى التدخل لمصلحة هنود جنوب أفريقيا. حتى لندن اضطرت إلى بحث الموضوع. هكذا وحدت القوة نفسها مُلزَمَة "على أن تعفّر ركبتيها راكعة أمام الوداعة البطولية"، وحسب تعبير الكاتب الفرنسيRomain Rolland وهو أحد المعجبين بغاندي.
o فأطلقت السلطة سراح غاندي، وجرت في الشهور الأولى من 1914 مفاوضات طويلة وشاقة بينه وبين المارشال سمطس، رئيس وزراء الترانسفال (وكان الرجلان يكنان أحدهما للآخر احترامًا فائقًا رغم خصومتهما) وأخيرًا ألغيت، في تموز 1914، التدابير الظالمة التي ثار غاندي ضدها.فأُعلن أن زواج الهنود، من هندوسيين ومسلمين ومجوس، قانوني، وألغيت ضريبة الثلاثة جنيهات.
هكذا أثبت النضال اللاعنفيّ (ساتياغراها) انه سلاح لا يقاوم وكان شيئًا جديدًا بالكلية في ذلك الحين، وقد أضحى يمثل شيئًا جديدًا تمامًا وغريبًا في وسائل تنظيم الكفاح الإنساني.
o وفي 18 تموز 1914، أقلع غاندي متوجهًا إلى إنكلترا، ومنها إلى الهند، بعد أن أرسل إلى المارشال سمطس، خصمه السابق، نعلَين كان قد صنعهما وهو في السجن، وقد بقي سمطس ينتعلهما طيلة 20 عامًا، حتى يوم عيد ميلاد غاندي السبعين، حيث أرسلهما إلى الهند، رمزًا للصداقة، إلى من كان قد أهداهما إليه. وقال آنذاك"لقد انتعلت هذين النعلين طوال عدد كبير من فصول الصيف المتعاقبة منذ ذلك الحين رغم شعوري بأنني قد لا أستحق أن أنتعل حذاء رجل عظيم مثل غاندي".
الشارقة 2/1/1999
أعدّه ك. ب. لفرقة "بهاء الربّ".