" الفكر عطية كبرى من الله وأحد عناصر الصورة في الإنسان، لذا لا يجوز الكفر به بحجة ما قد يقع فيه من شطط وغرور"
المرأة في موقعها ومرتجاها -مقابلة

مقابلة مع الكاتب كوستي بندلي
حول كتاب سيصدر له بعنوان "المرأة في موقعها ومرتجاها"

سؤال الأوّل : الكتاب، أين سيصدر؟ ظروف صدوره، وعن ماذا يتحدث؟

أعد الكتاب في أواخر 1990 وفتش عن ناشر له، إلى أن تعهد مجلس كنائس الشرق الأوسط، مشكوراً، في فرعه المصري الذي يديره صديقي الدكتور موريس أسعد، بنشره. وقد علمت أنه صدر أو أن صدوره صار وشيكًا. الكتاب ينطلق من أسئلة طرحها الشباب وأجيب عنها في عدة حلقات من"ندوة الثلثاء" في فرع الميناء للحركة. وهو ينقسم إلى ثلاثة فصول:

1- موقع المرأة في المجتمع (لماذا تستضعف المرأة؟ مسؤولية المرأة في حال تعرضها للإغتصاب).
2- موقع المرأة في الكنيسة (مكانة المرأة في الإنجيل. ايمانيًا هل يتوجب على المرأة الخضوع؟ هل يترتب على المرأة أن تغطي رأسها في الكنيسة؟)
3- المرأة كصانعة لذاتها وخميرة للمجتمع (دور المرأة المسيحية في المجتمع. المرأة المسيحية ومجتمع الإستهلاك. كيف يمكن للمرأة الحركية أن تكون خميرة المجتمع؟ كيف يمكن للمرأة أن تتحرر من التبعية؟).
ويختتم بملحق عنوانه "معاناة المرأة ورجاؤها في سؤال وجواب"، ينطلق من رسالة، مأساوية النبرة، عن موقع المرأة في الكنيسة، تلقاها الكاتب من احدى الفتيات.

سؤال الثاني: ما هو رأيك بنظرة الرسول بولس للمرأة في رسائله؟

الوحي الكتابي، في ايماننا، ليس إنزالا، انما انسكاب كلمة الله في كلمات بشرية لها خصوصيتها وحدودها. انه بعبارة أخرى، "ترابية مضاءة"، على حد تعبير المطران جورج خضر. لا بد لنا بالتالي أن نستشف الضوء عبر غلاف التراب، وهي عملية دقيقة تتطلب يقظة وجهداً ومعرفة، وخاصة اهتداء دائماً للقلب بمعاشرة يسوع المسيح والتحول اليه. هذا ما ينطبق أيضًا على كتابات الرسول بولس الذي قال عن نفسه أنه "يحمل الكنـز في وعاء من فخار".

برأيي أن بولس ممزَّق (هذا جزء من صليبه) بين جدة الإنجيل التي انقضّت عليه وكشفت له أن "لا ذكر ولا أنثى" في المسيح، وبين عتاقة مجتمع ذكوري نشأ فيه كان يهمّش النساء ويحكم عليهن بالدونية. هذا ما أتوسع به في الكتاب كما أني تعرضت له في كتابي السابق "صورة المسيح في الزواج والأسرة" (منشورات النور 1983).

سؤال الثالث: هل تطرقّت إلى مسألة كهنوت المرأة وهل بإمكانك أن تعطينا رأيك حول هذا الموضوع؟

نظرة إلى مضامين الكتاب المذكورة أعلاه تفيد بأنني لم أتطرق فيه إلى مسألة كهنوت المرأة. أما سؤالكم عن رأيي، فأجيبكم عنه أن ليس لديّ من رأي قاطع ونهائي في الموضوع. انما لديّ تمنيات حارة أطرحها على كنيستي كالتالي:

1- أرجو، مع الروحاني الأرثوذكسي الكبير المطران أنطوني بلوم، ومع اللاهوتية الأرثوذكسية المرموقة اليزابيت بير- سيغل، أن يبحث هذ الموضوع- الذي يحرك، شئنا أم أبينا، الكوامن النفسية الواعية واللاواعية- بقلب منفتح وبدون تشنج وبمعزل عن ردات الفعل الإنفعالية حيال ما يحصل عند "الآخرين".

2- لا بل أرجو أن يبحث الموضوع بروح توبة، أي، بالمعنى الأصلي لهذه الكلمة كما وردت بصيغتها اليونانية في الإنجيل، بتغيير الذهنية ونفض العتاقة المعششة فيها والتي كثيراً ما نخلط بينها وبين التقليد الأصيل. وقد ظهرت بوادر مشجعة لهذه التوبة في اجتماع اللاهوتيين الأرثوذكسيين التاريخي الذي انعقد في رودس في خريف 1988، إذ أقروا في بيانهم الختامي بالإجحاف الذي لحق تاريخيًا بالمرأة في كنيستنا بتأثير عوامل غريبة عن جوهر الكنيسة.

3- أرجو أن يصار، في أقرب وقت، إلى إحياء "شموسية المرأة"، الأصيلة والتقليدية في كنيستنا منذ نشأتها وحتى حقبة متأخرة من تاريخها، والتي صدر عنها من فترة وجيزة بحث معمق للاهوتي الأرثوذكسي افنجيلوس ثيودورو.

أخيراً أوصي قراء هذه المجلة بالعودة إلى المرجعين الهامين التاليين:

Elisabeth Behr- Sigel: La consultation interorthodoxe de Rhodes (30 oct- 7nov 1988). Présentation et essai d’évaluation, “Contacts”, Paris, n146, pp. 124-144.
Evangelos Theodorou: L’institution des diaconesses dans l’Eglise Orthodoxe et la possibilité de sa rénovation, “Contacts”, n146, pp. 124-144.

سؤال الرابع: بين المساواة والتمايز هل برأيك أن المساواة تلغي التمايز؟ ما هو الفرق بين الإثنين؟

التمايز هو أن يبقى الرجل رجلاً بكل ما في الكلمة من معنى، وأن تبقى المرأة امرأة مكتملة الأنوثة. علمًا بان الرجل الرجل ليس من هو "سوبر ذكر"، إذا صح التعبير، بل من يجمع إلى صفات الرجولة جوهر ما في الأنوثة من خصال (كالرقة والإنعطاف)، وبأن المرأة ليست تلك الذائبة في أنوثتها بل من تجمع إلى الميزات الأنثوية زبدة ما في الرجولة من صفات (كالتماسك والتصميم). أما المساواة، فهي أن يتاح لكل من الإثنين أن يحقق إنسانية كاملة غير منقوصة وفق نمطه المميز، الذكري أو الأنثوي. ولكن تحقيق الإنسانية الكامل هذا أعاقه ولا يزال، بالنسبة للمرأة، إصرار مجتمع واقع منذ القديم وإلى الآن تحت هيمنة الذكور، إصراره على أن يحدد لها مسبقاً وإعتباطيًا، وبما يخدم ويرسّخ نفوذ الرجال، حدود أنوثتها، وعلى أن يحصرها قسرًا ضمن تلك الحدود، هادرًا بذلك الكثير من طاقاتها البشرية وحارمًا نفسه، بالتالي، من زخم تلك الطاقات. مما استدعى، كردة فعل عشوائية، ما نلاحظه حاليًا من نزوع لدى عدد من النساء إلى التهافت على تقليد الرجال في كل شيء طمعًا بمشاركتهم في هيمنتهم، مما ينقلب على المرأة فيجعل منها مجرد رجل ممسوخ ويبقيها بالتالي كائنًا مستلب الإنسانية. مساواة حقيقية عبر تمايز لا امتياز فيه ولا دونية، ذلك هو المبتغى الذي يستحق النضال في سبيل تسجيله في حضارة القرن الـ21. 

19/3/1994 أجرى المقابلة ضياء بندلي

نُشر في مجلة "وجهة نظر" العدد 15/16
ك.ب.