رسالة إلى مجلس فرع الميناء،

الإخوة رئيسة وأعضاء مجلس فرع الميناء لحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة

سلام بالرب قاهر الموت بموته،
عندما أقام شباب الطائفة في هذا الميناء، الذي يُعتَبَر بكثافته الأرثوذكسيّة النسبيّة وجهاً من وجوه الأرثوذكسيّة في لبنان، موكب الكرنفال هذه السنة، ولأول مرة في حياتي، يوم الأحد الأول من الصوم، مالئين به الأجواء صخباً، اعتراني شعور بالمرارة والحزن.
تذكّرت عندها كيف اعتادوا أن يُحيوا أقدس المناسبات الطقسيّة، إنْ كانت عتبة الدخول إلى الصيام الكبير أو ليلة الفصح نفسها، بالسكر والعربدة والضجيج. ولكنّني لم أقف عند الأسف والإستنكار اللذين لا يُفيدان شيئاً إذا توقف المرء عندهما، بل طرحت على نفسي السؤال الجوهريّ بالنسبة لجماعةٍ ارتضاها الربّ أن تكون شاهدة له، وهو: ما هو مدى تأثيرنا، نحن الحركيّين، في الجماعة التي ننتمي إليها والتي شاء الربّ أن نكون فيها كالملح في الطعام والخميرة في العجين؟ ولكي لا أبقى أسير التأمّل النظريّ، فكّرتُ بخطواتٍ ثلاثٍ شِئتُ أنْ أُقترحها عليكم لمحاولة تطوير واقع محيطنا البشريّ نحو الأفضل. لا أدّعي أنّها الأنجع والأفضل ولكنّها قد تكون بداية الطريق.

1. تبنّي المناسبات الشعبيّة وإحياؤها بطريقة لائقة:
   دينُنا دين التجسّد. فإنّ الله، لمّا اتّخذ وضعنا البشريّ، شابهنا فيه بكلّ شيء ما عدا الخطيئة. شابهنا في كلّ مظاهر حياتنا لكي تستنير به كلّها. من يقرأ الإنجيل يرى أنّه مثلاً كان يقبل الدعوات إلى موائد البشر وأعراسهم، ويأكل ويشرب معهم حتّى أنّ خصومه اتّهموه بأنّه "أكول وشرّيب خمر"، ولكن حضوره كان فريداً في كلّ هذه المناسبات يُلقي عليها ضوءاً غير معهود.
   برأيي إنّه ينبغي لنا أن نسير على خطاه، فلا نحتقر الأفراح البشريّة على اختلافها، كما أنّه لم يحتقرها، بل نُقيمُها بروحه هو فنمدّ هكذا حضوره المُحيي إليها.
   مثلاً جرت العادة من زمن طويل في فرعنا أن يحتفل شباب حركيّون بليلة رأس السنة، إنّما ليس بالطريقة الوثنيّة المألوفة من بذخٍ وسكرٍ ومقامرةٍ وتهتّكٍ، بل بطريقة لائقة، هادئة، تُهيّمن عليها روح الصداقة الحقّة والإعتدال، وتُتوجها الصلاة ليُبارِك الله العام الجديد.
   ولم يكن الفرح غائباً عن هذه السهرات التي اتّسمت بنمطٍ فريدٍ، بل كان على العكس أعمق وأصفى وأنقى.
   وقد عَلِمتُ مؤخراً بفرحٍ كبيرٍ أنّ شباباً من أسرة الطلائع في الميناء قد أحيوا هذا التقليد الحركيّ وآمل أن يكون "الحبل على الجرّار".
   إنّما هناك تقليدٌ آخر يبدو لي أنّه اندثر (وقد أكون مُخطئاً)، وهو يتعلّق بشكلٍ أكثر مباشرة بموضوع رسالتي. وهو تقليد إحياء الكرنفال بطريقة بهجة ولائقة وفنيّة في أسرة الطفولة، إذ كان يُطلَب من كل طفل أن يتبارى مع رفاقه في ارتداء أجمل ما يكون من ثياب تنكريّة. ولا أزال أحتفظ بصورةٍ التُقِطَت لولدي اسكندر عندما كان طفلاً، وهو يرتدي بهذه المناسبة زيّ روبن هود. كنّا بهذا الحرص على الجمال نلتقي مع أفضل تقاليد الكرنفال في مينائنا، إذ كان التنكّر لا يقتصر على طلي الأجساد بالأسود وقرع الطبول وإطلاق الأصوات المنكرة بل كان يصحبه إتقان وفنّ، ومنه أنغام الموسيقى الخلاّبة التي كانت تتقدّم المواكب في تطوافها في الشوارع. أقترِحُ إذاً إحياء الإحتفال بالكرنفال في الحركة، على أن لا يقتصر على الأطفال بل يشمل الطلائع وربّما غيرهم من الأكبر سنّاً.
2. 
   إعادة تأسيس "أسرة العمّال":
   ثمّ إنّ هناك اعتباراً آخر أكثر جذريّة من الذي سبق، ألا وهو التساؤل عن مدى انتشار الحركة في مختلف طبقات الشعب في الميناء. يبدو لي من نظرة سريعة (تحتاج بالطبع لتأكيدها إلى مسحٍ يقوم به أخصائيّون في علم الإجتماع) أنّنا نطال، بشكلٍ شبه حصريّ، في الميناء، الطبقة المتوسطة، وأنّ حضورنا ضئيلٌ جداً سواء في الطبقة الميسورة (التي هي على كلّ حال قليلة العدد جداً في الميناء)، وما هو أفدح من ذلك في طبقة الفقراء التي تُشكّل الأغلبيّة بين سكّان بلدتنا. والواقع أنّ مُهَرّجي "الزامبو" في الكرنفال وقارعي الأجراس مع السكر في ليالي الفصح ينتمون بأغلبهم إلى هذه الطبقة الفقيرة التي تكاد أن تكون شبه غير متمثّلة في صفوفنا. هذا ما يقودنا إلى إعادة النظر في مشروعنا الشهاديّ برمّته، وإلى برمجةٍ جديدةٍ له تُمَكّنُنا من الإتصال فعلاً وبشكلٍ مُستَديمٍ بهذه الطبقة المحرومة يتعدّى مُجرد توزيع المعونات عليها، ومن إيجاد "فئة مُتَنَصِّرة فعلاً لا شكلاً" (جورج خضر) في صفوفها يُمكنها أن تُصبح مع الزمن خميرة إنجيليّة  تفعلُ فيها من الداخل.
   هنا أيضاً يُمكننا أن نستلهم ماضينا الحركيّ في الميناء. ففي الخمسينات وأوائل ستّينات القرن الماضي تأسّس عندنا ما كُنّا ندعوه "شعبة العمّال" (وبلغة اليوم "أسرة العمّال")، وقد كنتُ في رئاستي الطويلة للمركز (التي امتدّت حتى عام 1964) أُوليها إهتماماً بالغاً، مُتَذكّراً خبرة "الشبيبة العاملة المسيحيّة" (JOC) التي أطلقتها الكنيسة الكاثوليكيّة في الغرب في أواخر العشرينات في بيئةٍ عمّاليّةٍ كانت قد انسلخت بمُعظَمِها عن الكنيسة. فكانت خبرة بالغة النجاح أحيَت شعلة الإيمان المُعاش لدى العديد من العمّال والعاملات الشباب ودفعتهم إلى ترجمته في مختلف وجوه حياتهم وفي نضالٍ دؤوبٍ لهم، تجسّد على الصعيدين النقابيّ والسياسيّ، من أجل إحقاق حقوق العمّال المهدورة وكرامتهم الإنسانيّة.
   
   بهذه الروحيّة أُنشِئت في الميناء أسرة العمّال وكانت تضمّ عمّالاً يدويين من مختلف الحِرَف فيتدارسون الإنجيل ويجتهدون أن يترجموه في حياتهم شأن إخوتهم في سائر الأسَر الأخرى، مُتأمّلين في سيرة وتعاليم ذاك الذي كُنّا ندعوه "يسوع العامل" إذ ذكر الإنجيل عنه أنّه لمّا بدأ بشارته كان الناس يقولون عنه "أليس هذا هو النجّار إبنُ مريم؟" (مرقس 6: 3). ولم تكن هذه الظاهرة تخلو من سابقة لها في تُراث الميناء الشعبيّ الأرثوذكسيّ. فقد عَلِمتُ أنّه في مطلع العشرينات أُنشِئَت في الميناء على يد المرحوم نقولا النيني جمعيّة أرثوذكسيّة دُعِيَت "جمعيّة الصناعيين" (والمقصود بهم العمّال اليدويين) أُتيح لي أن أشاهِد في بيت أحد الأنسباء صورة تذكاريّة تضمّ جمعاً غفيراً منهم.
   وقد عرفت أسرة العمّال عندنا حقبتها الذهبيّة لمّا انضمّ إليها جورج صوري الذي كان يعمل في التبليط، بعد أن عرفته، منذ طفولته، يتردّد على الكنيسة ويتلو الصلوات، وقد انتخبه رفاقه في الأسرة رئيساً لهم لِمَا عَهدوه فيه من همّة وإخلاص نابعين من إيمان وطيد أضاف إليه وبوحي منه إلتزاماً في حقله المهنيّ حيث صار مُناضِلاً نقابيّاً وثِقَ به زملاؤه من مختلف الطوائف إلى حدّ أنّه انتُخِبَ أمين صندوق لنقابة عمّال البناء، فاغتنم فرصة هذه المسؤوليّة التي أُسنِدَت إليه فساهم في تحقيقِ إصلاحٍ جذريٍّ في هذه النقابة لتُصبح فعلاً أداة في خدمة مصالح العمّال. فصار إلتزامه الإجتماعيّ هذا، إلى جانب إشعاعه الروحيّ، نموذجاً وقدوةً لإخوته في الأسرة، إذ تعلّموا منه أن يلتزموا بدورهم نقابيّاً وأن يُرافقوه إلى المقاهي في أوقاتِ فراغِهم لا لمُجرّد الترويحِ عن النفس بل للإختلاط بزُملائهم العمّال، فيكونوا بينهم كالخميرة في العجين.
   في هذا الإطار صارت الحركة في الميناء تحتفل مسيحيّاً بعيد العمل بحيثُ يُقام قدّاس عن نيّة عمّال العالم يُدعى إليه العُمّال الأرثوذكس في الميناء، وقد وضع له المطران جورج خضر لاحقاً في الفترة التي أمضاها كاهناً يرعى رعيّة الميناء (1955 – 1970) خدمةً طقسيّةً خاصّة. كنّا أيضاً في هذه المُناسبة نتأمّل، بوحي من الإنجيل، في معاني العيد، وأبعاد العمل الروحيّة والإنسانيّة، وحقوق العمّال. في هذا الخط ألقيتُ على العمّال الحركيّين سنة 1964، وكنتُ آنذاك رئيساً لمركز طرابلس، حديثاً بعنوان "العمل مفديّ بالتجسّد" نُشِرَ في مجلّة النور وضُمَّ بعد ذلك إلى موقعي في الموقع الحركيّ الإلكترونيّ.
   كانت حقبة قيادة جورج صوري لأسرة العمّال في الميناء حقبة ذهبيّة، كما قلت، حافلة بالوعود، وكانت للحبيب جورج، على ما أعتقد، محطّة هامّة في مسيره نحو إلتزامٍ أوسع، هو إلتزامه الكهنوتيّ الذي مارسه ولا يزال في أبرشيّة جبل لبنان والذي وهبه ربّنا أن يكون فيه ناجحاً ومعطاءً إلى أبعد حدّ .. أمّا أسرة العمّال عندنا التي ارتبطت بإسمه، فلم نعرف نحن، للأسف، بعد غيابه عنها، كيف نُحافِظ على حيويّتها الواعدة. فبدأ التضعضع يدبّ فيها وبوحي منه خُيّلَ لأفرادها أن انضمامهم في فئة خاصّة بهم إنّما هو نوع من الفرز الطبقيّ النابع من نظرةٍ إليهم تنعتهم بالدونيّة، في حين أنّ القصد الحقيقيّ من إقامة أسرة خاصّة بهم كان، كما أسلفتُ، لا بداعي الإستعلاء الطبقيّ، بل رغبةً منّا في إفرازهم طليعةً لنا وللكنيسة وللمسيح بين إخوتهم. لم نعرف كيف نُبَدِّد هذا الوهم الذي كان، باعتقادي، سبباً رئيسيّاً لإندثار أسرة العمّال، وهو ما خلَّفَ فراغاً لا نزال نُعاني منه إلى الآن.
   
   في ضوء هذه النظرة التاريخيّة، بما حملت من آلام وخيبة، أتمنّى عليكم أن تسعوا إلى التعويض عن الفشل السابق الذي مُنينا به، وإلى إحياء أسرة العمّال مُجدّداً، مُستَفيدين من أخطاء الماضي، لكي تكون، في محيطها، طليعةً للمسيح ولنهضةٍ فصحيّةٍ نابعةٍ منه.
   أمّا كيف يتمّ ذلك، فهذا ما يُمكِن أن تُحَدِّدوه إنطلاقاً من دراسةٍ رصينةٍ للأوضاع الحاضرة التي تعرفونها أكثر منّي. ما أتمناه، إذا تبنّيتم هذه الخطوة، هو أن تُمَهّدوا لها بدعوتكم الأب الحبيب جورج صوري إلى الإجتماع بمجلس الفرع كي تستمعوا إلى خبرته في هذا المجال وتطرحوا عليه ما شئتم من أسئلة، وإنّي لواثٍقٌ من أنّ مرؤته ومحبّته للميناء ستدفعانه إلى تلبيّة دعوتكم.
   
   3.    إحياء الزيارات الرعائيّة المُنتظمة:
   ولكن أثرنا في الطبقة الفقيرة من شعبنا بنوعٍ أخصّ، وفي كافة فئاته، بشكلٍ أعمّ، لن يبلغ كلّ مداه وعمقه إنْ لم يستند إلى الرعاية الدائمة التي يستطيع وحدهم أن يوفّروها الرعاة المُكَرَّسون أيّ الكهنة. ومما لا شك فيه أنَّ الخِدَم الطقسيّة الأسبوعيّة التي تُقام أيام الآحاد في الكنيستين لا تكفي بحال من الأحوال لتفعيل تلك الرعاية. وذلك لسببين هما أولاً أنَّ نسبةً قليلةً من الناس تتردَّد بانتظامٍ على هذه الخِدَم (قد لا تتجاوز هذه النسبة، في أفضل الإحتمالات، عشرة بالمائة)، ثمّ إنَّ الوعظ، وإنْ أصبح بفعل الإصلاح الذي تمّ بفضل الحركة، يُلقى في كلّ خدمة من هذه الخِدَم، لا يكفي، حتى إذا كان حيّاً يُخاطب اهتمامات الناس في الصميم (وهذا لا يزال للأسف نادراً)، قُلتُ إنّه لا يكفي عادة ليُحدِث في سامعيه هذا التغيير الذي يُسمّيه الإنجيلmetanoia (نترجمه بعبارة "توبة") والذي هو اهتداء بالفكر والكيان إلى نظرةٍ جديدةٍ وموقفٍ جديدٍ من الأمور كلّها. فلكي يكون لهذا الإهتداء حظٌّ أكبر أن يتمّ ينبغي أن يُدرِك المرء أنّ هذا الذي يَعِظُه إنّما هو قريبٌ منه في حياته اليوميّة، يُشاطِرُه هواجسه ومشاغله وأفراحه وأتراحه ومتاعبه وهمومه وآماله وخيباته. لقد كان يسوع يعِظُ كثيراً كما نعلم ولكنّه كان بآنٍ قريباً كلّ القُربِ من حاجات تلك الجموع التي كانت تتبعه، فكانت "أحشاؤه تضطرب"، كما يقول الإنجيل حرفيّاً باليونانيّة، عندما يرى آلامهم ومآسيهم، فيشفي أمراضهم وعاهاتهم، لا بل أنّه، على دفعتين، أطعمهم خبزاً وسمكاً لأنّهم كانوا قد لَحِقوا به بعيداً عن مساكنهم ولم يكن لهم في القفر ما يسدّون به رمقهم. لذا فإنّه لمّا كان يدعوهم بقوله: "توبوا فقد اقترب ملكوت الله"، كانوا يشعرون برحمة هذا الملكوت تشعّ منه وتلفّهم فتُضَمِّد جراحهم وتقضي حاجاتهم.
   
   إنّ صديقاً لي من الكهنة شكا مرة من الباب الملوكيّ من أنّ الناس لا تسمع إلى الكهنة. فقلت له بيني وبينه: كيف تريد أن يسمعوا لهم إن لم يلتقوا بهم بتواترٍ في الحياة اليوميّة وتنشأ إلفة بين المؤمن والكاهن؟ في القديم، وحتّى في طفولتي، كان يوجَد ما يُسَمّى "طبيب العائلة". هذا كان يتردّد عليها ويعرِفُ أفرادها واحداً واحداً، ليس فقط أوضاعه الصحيّة وأمراضه، بل طباعه وتاريخه وأخباره ومشاكله الشخصيّة. لذا كان أهل البيت يسمعون لهذا الطبيب ويستشيرونه، ليس فقط في الشؤون الصحيّة بل في كافة أمور الحياة، لأنّهم كانوا يألفونه ويثقون به. لذا قلتُ مرة لعدد من الأصدقاء الحركيّين الذين كانوا يتساءلون أمامي عن كيفيّة إرساء الرعاية الحقّة، إنّني أرى أن يكون كاهن الرعيّة بمثابة طبيب العائلة حتى تأتي رعايته فاعلة في العمق ومؤثّرة في الكيان.
   حين أطلقت الحركة في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، عبر مجلس رعيّة الميناء الذي كان لها اليد الطولى في إطلاقه، مشروع الإشتراكات، الذي كان مشروعاً رائداً وحافلاً بالوعود (اضمحلّ للأسف بعد ذلك لأسبابٍ منها تقصيرنا في متابعته)، كلّفت لجنة التربيّة هيئة مؤلّفة من الأب بولس بندلي والأخت كاتبة تاجر وأنا، القيام بحملة توعيّة غايتها دعوة الناس إلى الإنتساب لهذا المشروع. هكذا نُظَِمَت بين أيّار 1979 وحزيران 1981، أي في بحر سنتين، 68 سهرة رعائيّة في منازل المؤمنين في الأحياء المختلفة (لا أزال أحتفظ بمحاضِرها كلّها). كان الأب بولس رئيساً لهذه الهيئة وكان يفتح لنا القلوب بمودّة الناس له ويفتتح السهرات بمقطعٍ إنجيليٍّ، وكانت الأخت كاتبة لولب السهرات التنظيميّ تفتح لنا الأبواب بحسِّها الإجتماعيّ المُرهَف، وكنتُ أنا أعرض حيثيّات المشروع. وقتها لمسنا انّ الناس يتحرّقون إلى كهنةٍ يزورونهم بتواترٍ كما يزور كهنة المذاهب المسيحيّة الأخرى رعاياهم (هكذا كانوا يقولون)، فبشّرناهم بجيلٍ جديدٍ من الكهنة مُقبِلٌ قريباً سوف يُلبّون انتظارهم هذا، ودعوناهم إلى الإنخراط في مشروع الإشتراكات إذا شاؤوا تشجيع شباب من خيرة الشباب على الدخول في سلك الكهنوت دون ان يخشوا العَوَز أو الذلّ. وبالفعل أقبل الناس على المشروع وبرّت الحركة بوعدها إذ أفرزت للكهنوت شباباً نعتزّ كلّنا بخصالهم الروحيّة والإنسانيّة. ولكن الحقيقة تضطرُّني أن أقرّ بأنَّ الشقّ الآخر من وعدنا، ألا وهو زيارات هؤلاء المتواترة لبيوت الرعيّة، لم يتحقّق إلى الآن، بل بقيَ مُجَرّد أمنيةٍ جميلةٍ خائبةٍ.
   قُدِّمت على التوالي عدّة إقتراحات بتقسيم الميناء إلى مناطق رعائيّة يتعهّد كلّ منها أحد الكهنة فيكون لديه عدد محدود من البيوت يزورها بانتظامٍ، ولكن ذلك بقيَ حِبراً على ورق.
   لذا أغتنم مناسبة توجيهي إليكم مقترحات حول تفعيل شهادتنا الحركيّة في الميناء، للعودة بإلحاحٍ إلى هذا الموضوع الأخير، موضوع الزيارات الرعائيّة، مُقترِحاً أن تسعوا إلى إطلاقه ولو بصورةٍ جزئيّةٍ ومحدودةٍ، ولو بكاهنٍ واحدٍ ومنطقةٍ رعائيّةٍ واحدةٍ، على أن تكون زيارات هذا الكاهن إلى بيوتِ أسر هذه المنطقة متواترةً فعلاً ومهمّا كلَّفَ الأمر، قصد بناء علاقة الإلفة والثقة التي تحدّثتُ عنها مطوّلاً. أرجو أن توظّفوا في هذا المسعى أفضل ما لديكم من غيرةٍ وخيالٍ ومعرفةٍ وعلاقاتٍ إنسانيّةٍ وأن تلتمسوا بحرارةٍ من الربِّ عونه ونوره ليتسنّى لكم أن تُحَقِّقوا به ومعه هذه الآمال الكبيرة التي هي ولا شك من آماله هو.

وليكن الربّ رفيق مسعاكم ويزرع فيه غلبة قيامته
في نور الزمن الفصحيّ وبهجته
18/04/2010
أخوكم
ك.ب