1- ما ِسبب الشّذوذ الّذي بدأ ينتشر في أوروبا، وهو آخذ في الانتشار في مجتمعنا؟
2- كيف السبيل لمحاربة هكذا شذوذ؟
3- هل يعتبر الشّذوذ خطيئة؟
ربّما استغرب البعض هذا الموضوع، وربّما وجدوه غير مطروح أصلاً لدينا. إلاّ أنّ هناك مؤشر يدعونا للتفكير وهو أنّ هذا الموضوع بالتحديد نال المرتبة الثالثة من حيث عدد الأصوات، وهذا يعني أنّ هناك تجاوباً معه من قبل جمهور عريض من الشباب في فرعنا هذا. أعتقد أنّ هذا الموضوع هو جدير بالاهتمام بالنسبة لكم، ولكنّ لا يمكن بحثه خلال مرة واحدة لأنّ الأسئلة متعدّدة ومتشعّبة. لذلك سوف نقسمه إلى قسمين على الأقل.
في القسم الأوّل سنبحث أسباب شذوذ بعض الشباب. وفي القسم الثاني، "محاربة الشّذوذ"، وإذا كان يعتبر الشّذوذ خطيئة.
ما سبب الشّذوذ الّذي بدأ ينتشر في أوروبا، وهو آخذ في الانتشار في مجتمعنا؟
المقصود بهذا الشّذوذ "الجنس المثليّ" أي الميل أو الاتجاه إلى الجنس نفسه، وهذا ما يدعى بالجنس المثليّ أو الجنسيّة المثليّة. هذا هو المقصود بالشّذوذ، علماً أنّه يجب التمييز بين التخنيث والجنس المثليّ.
المخنّث هو الّذي يقلّد الجنس الآخر أي البنات في سلوكه وتصرفاته، التخنيث أمر والجنس المثليّ أمر آخر، لأنّ الكثير من الّذين لديهم جنس مثليّ هم ليسوا بالضرورة مخنثين، فهذان أمران مختلفان عن بعضهما البعض.
حسب المعطيات العلميّة، تؤثّر العوامل البيولوجيّة تأثيراً ضئيلاً جداً على الشّذوذ الجنسيّ. فمن النادر جداً، استناداً لمعطيات العلم حتّى الآن، أن يكون للشذوذ الجنسيّ أسبابٌ بيولوجية. الأبحاث كلّها أظهرت أنّ المساهمة البيولوجية بالشّذوذ الجنسيّ قليلة جداً، والشّذوذ هو ذو طابع نفسي أساساً.
ثمّ أنّه يجب ألاّ نحمّل التربية ما هي ليست مسؤولة عنه، أو أن نحمّلها عبئاً فوق اللزوم. في أحيان كثيرة، لا تكون التربية مسؤولة، إنّما يكون هناك استعداد نفسي عند الإنسان ناتج من تكوينه النفسي هو. ويجوز أن يكون الاستعداد النفسي عبارة عن أمورٍ تربوية بسيطة تدفعه لأن يبرز إلى حيّز الوجود. أما إذا لم يكن هذا الاستعداد النفسي موجوداً، فيجوز ألاّ نصل إلى النتيجة نفسها حتّى ولو توفّرت أمورٌ وأسبابٌ تربوية أضخم. إذاً يوجد هناك تفاعل بين التكوين النفسي للإنسان والتأثير التربوي، ولا يجب أن نحمّل التربية وحدها كل شيء.
* قبل كل شيء، سوف نناقش ما هي العوامل النفسية التي تؤدّي إلى الشّذوذ الجنسيّ، قبل أن أنتقل إلى السؤال المحدّد وهو انتشار الشّذوذ الجنسيّ في أوروبا بين الشباب.
عندما يكون هناك انتشار، يجب أن نعرف أولاً ما هي الأسباب النفسية التي تدفع إلى الشّذوذ الجنسيّ؟
وهنا نقول الأسباب النفسية وليس الأسباب البيولوجية التي كما ذكرنا لها تأثير ضعيف جداً.
الأسباب النفسية على نوعين: منها عوامل تعود إلى ظروف الطفولة، إلى تاريخ الطفولة، والعوامل الأخرى تعود إلى ظروف انطلاق الحياة الجنسيّة في المراهقة لأنّ الحياة الجنسيّة تكتمل بالمراهقة، فهي تنطلق بشكلها المكتمل خلال المراهقة.
وللشذوذ الجنسيّ عوامل ممكن أن تسرّبه في مرحلة الطفولة، وعوامل أخرى ممكن أن تسرّبه في مرحلة المراهقة. هذه العوامل هي معقّدة جداً، سأحاول تبسيطها، وسأركّز على الشّذوذ الجنسيّ عند الذكور لأنّه هو الأكثر انتشاراً.
يوجد نوعان من العوامل: - اضطراب في العلاقة مع الأم.
- اضطراب في العلاقة مع الأب.
- اضطراب في العلاقة مع الأم
كشف التحليل النفسي أنّ الولد بين عمر 3 و 5 سنوات يتعلّق، في كثيرٍ من الحالات، تعلّقاً شديداً بوالدته. وهذا التعلّق يأخذ شكل العشق، بالطبع عشق طفوليّ لأنّ الجنس عنده لم يكتمل. إنّه عشق على طريقة الطفل، وهذا ما يسمّونه بالعقدة الأوديبية نسبة إلى بطل أسطوريّ يونانيّ هو أوديب Oedipe، الّذي بحسب الأسطورة تزوّج أمّه دون أن يعرف. اتّخذ فرويدFreud من هذه الأسطورة تسمية لهذه العقدة التي اكتشفها في النفس البشرية والتي يمرّ بها كلّ طفل. ومن الطبيعي أن يتخطّى الصبي فيما بعد هذا العشق لأمه، وأن يردّه لامرأة أخرى لاحقاً. وعليه، يجب أن يمرّ الصبيّ في هذه المرحلة التي هي بالغة الأهمية، والتي هي بحدّ ذاتها غير منحرفة، مع أنّها قد تنحرف أحياناً في حالاتٍ معينة.
إذا انطلقنا من التعلّق العشقيّ من قِبَل الطفل لأمه خلال طفولته الأولى، فماذا يمكن أن يحصل بعدئذٍ؟
في بعض الحالات، يمكن أن يكون التعلّق بالأمّ مفرطاً لدرجة أنّه يستمرّ مع الطفل حتى بعد أن يكبر ويتجاوز فترة الثلاث إلى الخمس سنين، فيظلّ متعلّقا بأمه لا شعورياً، لأنّه يكبت هذا الأمر ولا يعيه في أعماق نفسه.
وتشجّع الأم، في بعض الحالات، ولدها بتصرّفها وسلوكها. فهناك أمّهات يحضنّ الولد فوق اللزوم، ويردن أن يكنّ كل شيء في حياته، يردن أن يستأنسن به وأن يتدخّلن بكل شاردة وواردة في حياته وأن يحمينه حماية زائدة.
تلك الأمور تشجّع لدى الطفل التعلّق المفرط بوالدته، ويصبح هذا التعلّق زائداً جداً وغير معقول، وتمنع لديه إمكانيّة تحويل الطاقة العاطفية لديه من أمه إلى امرأة أخرى لأنّ كل هذه الطاقة مقترنة بالأم. هكذا ولد لا يستطيع أن يقوم بهذه النقلة الطبيعيّة، أي توجيه عاطفته لامرأة خارجيّة، لأنّ تعلّقه بأمه هو زائد عن اللزوم؛ مع العلم أنّ الأم تتصرّف في كثيرٍ من الأحيان بحسن نيّة، ولكنّ تصرّفها مؤذٍ جداً. تصبح متربّصة لولدها، كلما اتّصل بفتاة تحوّله عنها بحجّة أنّها تحميه، بحجّة أنّها تحمي فضيلته، ولكنها تريد في قرارة نفسها أن تستأثر به. وهذا ما يؤدّي إلى تعلّق الولد بأمّه أكثر فأكثر ويتوصّل في النهاية أن ليس أمامه غير سبيل وحيد حتى يشبع نزعته الجنسيّة – طالما أنّه لا يستطيع أن يتوجّه إلى أية فتاة، إلى أية امرأة، لأنّ كل طاقته العاطفية متعلّقة بأمه – لا يستطيع أن يشبع نزعته إلاّ من خلال علاقات مع ذكور مثله.
وبهذه العلاقات مع الذكور مثله ماذا يحصل؟
هنا الأمر ناقشه فرويد، انطلاقاً بالطبع من تحليله لأشخاص كانوا يعانون من الشّذوذ الجنسيّ وأرادوا أن يحلّوا مشكلتهم لديه. هذه التحليلات إذاً ليست فرضيات، إنّما اكتشفها فرويد عندما ساعد هؤلاء الأشخاص أن يعوا أنفسهم وأن يعوا جذور الشّذوذ الجنسيّ لديهم. اكتشف فرويد أنّه عندما يمارس هذا الإنسان العلاقة الجنسيّة مع ذكر مثله، يعمد إلى وضع نفسه مكان هذا الذكر الّذي يمارس معه العلاقة الجنسيّة. يعني أنّ هذا الذكر هو صورة عنه هو، وهو في الوقت نفسه يتمثّل ويتماهى صورة أمه. بمعنىً آخر، يتقمّص شخصية أمّه على قدر ما تعلّق بها، فصار يعطي الذكر الّذي معه والّذي هو صورة عنه، ما أراد أن تعطيه أمه إيّاه. هذا الرباط العاطفي الّذي أراد أن تعطيه إيّاه أمه هو يعطيه الآن (لأنّه تقمّص شخصية الأم والإنسان المتعلّق جداً بشخص وليس بمقدوره أن يحصل عليه يصير يتقمّصه ويدخله إلى ذاته) فصار هو متقمّصاً شخصية أمه ويعطي لهذا الذكر الّذي هو صورة عنه ما يريد أن يأخذه من أمه.
ومن الممكن أيضا أن يؤدّي هذا التعلّق المفرط، الّذي ينشأ بين الصبيّ الطفل وأمّه، إلى الشّذوذ الجنسيّ عن طريق أخرى مختلفة تماماً: وهي أنّ الولد المرتبط جدّاً بأمّه عاطفيّاً يشعر أنّه في خطر، برغم تعلّقه بها. يشعر الولد أنّ هناك خطراً على كيانه، أنّه سيذوب ويضيع في أمه. (الطفل في أوّل حياته هو جزء من أمّه ويستمرّ في السنين الأولى من حياته جزءاً من أمه، وعندما لا يستطيع أن ينسلخ عنها يشعر أنّه سيضيع، سيذوب، سيعود بعبارة أخرى جزءاً من كيان أمه). عندئذٍ، وبسبب خوفه من الذوبان وخوفه من الضياع وخوفه من الحب الآسر الخانق (ومن الحب ما قتل)، يرفض الجنس الآخر جملةً، لأنّ النساء جميعهنّ - وكل علاقة مع امرأة - تذكّره بعلاقته مع أمه. لهذا يتحاشى كل جنس النساء ولا يعود لديه مجال أن يعبّر عن نزعته الجنسيّة إلاّ بالعلاقة مع الذكور.
وهكذا رأينا، بطريقتين مختلفتين، أنّ التعلّق المفرط بالأم يؤدي إلى هذا الشّذوذ الجنسيّ.
- اضطراب في العلاقة مع الأب
يؤدّي الاضطراب في العلاقة مع الأب إلى النتيجة ذاتها، لأنّه من الممكن ألاّ يكون الأب حاضراً في حياة الولد. يجب أن يتحرّر الصبي من العقدة الأوديبيّة والعشق مع أمه لكي يستطيع أن ينطلق بحياته الخاصة وأن يبني شخصيّته المستقلّة.
ومن الّذي يساعد على تحرّره؟
هو حضور الأب بين الولد وبين الأم، حضور الأب يقطع حبل الصرّة (رِباط الصرّة يقطع بين المولود والأم، وإنّما يستمرّ على الصعيد النفسي في السنين الأولى). والأب له دور كبير في قطعه بحضوره هو بين الولد وأمه وهذا يتطلّب من الأب أن يكون حاضراً فعلاً.
في الكثير من الأحيان، يكون الأب غير حاضر. إمّا لأنّه غائب جسديّاً (متوفٍّ أو مسافر ...). إمّا هو موجود ولكن غير مهتمّ أو مكترث بولده، وجوده في البيت هو وجود جسدي فقط، حتى أنّه غير مكترث ربّما بزوجته، وحضورٌ كهذا لا وزن له. إمّا أن يكون الأب ذا شخصية ضعيفة، باهتة، وفي هذه الحالة أيضاً حضوره ليس له أي وزن. كل هذه الأمور من غياب جسديّ، إلى غياب معنويّ، أو ضعف شخصيّة، تؤدّي إلى تعلّق الصبي بأمه، ولأنّه لا يوجد شيء يوازيه، يصبح هذا التعلّق مرشّحاً أن يكون تعلّقاً زائداً مفرطاً، خاصة إذا كانت شخصية الأم تساعد على التعلّق المفرط. و في كثير من الأحيان يزيد هذا الأمر عندما يكون الأب غائباً عن الأم عاطفيّاً، فتعمد إلى تعويض ذلك بأن تحوش ابنها هذه "الحوشة" الزائدة، ويكون غياب الأب المعنويّ لا يفصل الطفل عن أمّه وحسب بل بالضدّ، لأنّه غائب عن حياة الأم، يدفع الأم إلى أن تتشبّث بطفلها فوق اللزوم وتحتضنه فوق اللزوم وتغذّي فيه هذه العلاقة المفرطة فيها.
هناك أيضاً سبب آخر يستحقّ الذكر وهو الخوف من الأب. فهناك آباء يخاف الأولاد منهم ويرتعبون. يتصوّر الولد أحياناً أنّ والده ساحق قامع (ليس المهم حقيقة الأب، المهم كيف يشعر الولد تجاه أبيه)، عندها من الطبيعي أن ينسلخ الولد عن أمه بفعل الخوف من الأب، لأنّه ينافس الأب على حبّ الأم ويشعر أنّ أباه أقوى منه، فيتوارى وينسحب خوفاً من الأب. الخوف طبيعي عندما يكون ضمن حدود مقبولة، والخوف مُحرِّر للولد لأنّه يساعده على سلخه عن أمّه، وبالتالي على انطلاقه كشخصية مستقلة. أمّا إذا كان هذا الخوف زائد عن حدّه، فيشعر الولد أن ليس فقط أمه محرّمة عليه، إنّما كل علاقة جنسية مع الجنس الآخر هي محرّمة عليه. الأب يقمع كل اتصال بالجنس الآخر. القمع يمتدّ من علاقة الطفل بأمه إلى علاقة بكل أنثى فيشعر وكأنّ أباه يمنعه من أن يكون ذكراً، وكأنّ ذكورته أمر محرّم عليه من قبل أبيه. فينتج عن ذلك إحجام لديه عن أي علاقة بالجنس الآخر، لأنّه يشعر أنّ كل علاقة بالجنس الآخر هي محرّمة.
هناك نوع آخر من العوامل التي ترتبط بفترة المراهقة.
فترة المراهقة هي الفترة التي يكتمل فيها الجنس ويتّخذ شكله الكامل، وينطلق فيها حتى يصبح جنساً شبيهاً بجنس الراشدين. إنّما هذه الانطلاقة ليست سهلة. تستيقظ لدى المراهق خلال هذه الفترة الطاقات الغريزية بفعل التحوّلات الجسدية التي تحصل على الصعيد الجنسيّ بسبب إفرازات الغدد الجنسيّة (التي تفرز بقوة بهذه الفترة). وبالتالي، وتحت تأثير إفراز هذه الغدد، يكتمل المراهق جسديّاً على الصعيد الجنسيّ، ويتيقّظ فيه الميل الجنسيّ بقوة بآن معاً. يدفع الميل الجنسيّ هذا المراهق نحو الجنس الآخر، ولكن في الوقت نفسه يشعر المراهق أنّ هذه الفتاة التي هو مدفوع غريزيّاً نحوها، هي في الوقت نفسه عالم مجهول، عالم غريب، عالم مختلف تماماً عنه. هذا العالم المجهول والغريب يجذبه ويخيفه بآن معاً، لذلك يشعر أنّ هناك قفزة لا بدّ منها. عليه أن يقفز من ذاته إلى العالم الآخر. هو يريد القفزة وخائف منها، وخائف من الفشل من هذه القفزة، خصوصاً أنّ المراهق يشكّ بنفسه كثيراً لأنّ شخصيته لم تكتمل ولم تستقرّ بعد. يشكّ بنفسه فيخاف أن يفشل في هذه القفزة. لذلك يكون عرضة للتردد الكبير. فماذا يحصل؟
معظم المراهقين، وبعد فترة تردّد، يُقدِمون على هذه الخطوة، يقفزون في المجهول بتأثير هذه الدوافع القوية التي تدعهم يتخطّون مخاوفهم، ويُقبِلون على القفزة تلك وعلى المجازفة. ولكن البعض منهم لا يتجاسر على الإقدام على هذه الخطوة مثل الخجولين بطبعهم. هذا المراهق الخَجِل يتردّد أكثر من غيره للقيام بهذه القفزة. فماذا يحصل؟
هؤلاء الأشخاص المتردّدون يُحجِمون عن القفزة خوفاً من عواقبها. هم يُقدِمون على اختبار معيّن ويفشل الاختبار. فشل هذه الخبرة يردّهم إلى الوراء، وبشكل جذري أحياناً. أي أنّ هذه المحاولة الفاشلة تجعل الأمور أصعب بكثير على المراهق، فيَصعُب عليه الإقدام على محاولة أخرى خوفاً من فشل آخر. وهنا تحصل الدوامة، فالخجول هو مكبوت بطبيعته، وكبته يسبّب له الفشل في محاولته لإقامة علاقة مع فتاة. فالفتاة تشعر به غير مرتاح، تشعر به مكبوت في كثير من الأحيان، فلا تتجاوب معه، وهنا يفشل وفشله يزيد من كبته ومن خجله. عندئذ يدفع هذا الفشل، الّذي يحصل خلال إقامة العلاقات الأولى، يدفع الكثير من المراهقين أن يتوقفوا عن التفكير بالقيام بهذه القفزة نحو الجنس الآخر. فماذا يفعلون؟
هنا يوجد تشبيه يعطيه أحد كبار الأخصائيين بشؤون الجنس اسمه شوارتزSchwarz ، هو يقول: تصوّروا أنّ هناك شخص يريد أن يقطع نهراً من ضفّة إلى ضفّة، هو يريد أن يقفز إلى الضفّة الأخرى لكن ليس لديه الجرأة الكافية. فيأخذ بعض الحجارة و يرميها في وسط النهر، ثم يأخذ بالقفز على الحجارة وليس على الضفة الأخرى، فينتهي به الأمر وهو في وسط النهر! هكذا أيضاً هو حال الخائفين من القيام بقفزة تجاه الجنس الآخر. هم مدفوعون لأن يخرجوا من أنفسهم حتى يلاقوا شخصاً آخر ويكتملوا به، ولكنهم في الوقت نفسه لا يتجاسرون على أن يذهبوا إلى هذا الآخر الّذي هو آخر بالكلّية. إذاً هم غير قادرين أن يقفزوا كل هذه القفزة تجاه شخص من جنسٍ مختلف. فيختارون شخصاً آخراً إنّما ليس آخر بالكلّية. هو آخر لأنّه يختلف عن شخصيّتهم ولكنّه يشبههم لأنّه من جنسهم فيقفزون نحوه. وهكذا يكونون قد قاموا بنصف الطريق عوض أن يقطعوا الطريق كلها ويكونون بالتالي قد وقعوا في الشّذوذ الجنسيّ لأنّهم لم يستطيعوا أن يقفزوا القفزة كلّها.
بالطبع هنا ما يحصل خلال سنين الطفولة الأولى - من استعدادات للشذوذ الجنسيّ - يستطيع أن يؤثر على هذه المرحلة. فقد تأتي هذه الخبرة خلال فترة المراهقة بالإضافة للاستعداد الموجود في الطفولة، فتتآزر العناصر الطفوليّة والمراهقيّة لتؤدّي بهذا الإنسان إلى الشّذوذ الجنسيّ. طبعاً ممكن ألّا يكون لدى الشخص أي استعدادات قويّة من طفولته، بينما يكون لخبرات المراهقة الدور الحاسم! وممكن أيضاً أن يكون لديه استعدادات قويّة آتية من طفولته ولكن تأتي خبرات مراهقيّة موفقة لتبطل مفعول الاستعدادات الطفوليّة. استعدادات الطفولة، على أهميتها، ليست هي كل شيء، لهذا يجب ألّا نضخّمها فوق اللزوم. ويجب أن ننتبه كثيراً أن ليس كل مراهق مارس الشّذوذ الجنسيّ، محكوم عليه أن يبقى كل حياته شاذاً جنسيّاً، والأبحاث العلميّة دامغة من هذه الناحية. فالكثير من الّذين مارسوا الشّذوذ الجنسيّ في المراهقة، لم يكونوا شاذّين جنسيّاً لاحقاً. يقول دكتور ويست Dr. Westفي هذا المجال: "لا نستطيع أن نقول عن انسان أنّه شاذ جنسيّاً قبل عمر 25 سنة، لأنّه من الممكن أن يكون قد مارس الشّذوذ الجنسيّ قبل هذه الفترة ولكنّه تخطّاه بعدها".
يبقى أن ننتقل للسؤال ذاته، إذا كانت هذه هي أسباب الشّذوذ الجنسيّ بشكل عام، فما هي أسباب انتشاره في الغرب؟ طبعاً هنا أريد أن أطرح سؤالاً قبل: هل يوجد فعلاً انتشار للشذوذ الجنسيّ في أوروبا؟
أبدأ بذكر بعض الإحصاءات العلميّة . جرت سنة 1948 في الولايات المتحدة، دراسة ميدانيّة علميّة قام بها العالم كينسي Kinsey، وتناول فيها الحياة الجنسيّة عند الذكور في الولايات المتحدة. شملت هذه الدراسة عيّنة من أربعة آلاف شخص يمثّلون كافة الذكور البيض في مختلف قطاعات المجتمع الأميركي. تبيّن من هذه الدراسة أنّ نسبة الذكور الأميركيين البيض الّذين مارسوا الشّذوذ الجنسيّ بشكل حصري (أي الشّذوذ الجنسيّ وحده وليس الاتصال الجنسيّ بالجنسيّن) بين 16 و 19 سنة من عمرهم هي 8%، وأنّ هذه النسبة انخفضت إلى 4% في مرحلة الرشد. وهكذا يتّضح أنّ الشّذوذ الجنسيّ منتشر بين الشباب الذكور أكثر ممّا هو منتشر بين الراشدين الذكور. وهذا ما نفهمه عندما نعلم أنّ الهويّة الجنسيّة عند المراهق لم تتحدّد نهائياً بعد، كما أنّ هويّته النفسيّة بشكل عام ما زالت في طور التكوين.
أيضاً أذكر إحصاءً آخر صدر في فرنسا، وهو حصيلة دراسةٍ أُجرِيت سنة 1974. خَلُص هذا الإحصاء إلى أنّ راشد واحد من أصل عشرين له ممارسة جنسيّة مثليّة حصريّة، أو ذات طبيعة غالبة. إنّما بالإضافة إلى نسبة الواحد من عشرين هذه، يوجد هناك عدد من الشباب الّذين ينتقلون جنسيّاً بين جنسهم والجنس الآخر. لا يحدّد الإحصاء عددهم، ولكنه يعتبر أنّ هذا العدد، أي الّذين ينتقلون جنسيّاً، يجب أن يُضاف إلى نسبة واحد من عشرين، والتي هي نسبة تخصّ الراشدين.
سؤالي هنا: هل فعلاً أنّ عدد الشباب الّذين يمارسون الشّذوذ الجنسيّ جزئيّاً أو حصريّاً في أوروبا وأميركا قد زاد فعلاً، أو هو في تزايد؟
لا أستطيع الجزم بذلك، من الممكن أن يكون قد زاد فعلاً، كما ومن الممكن أن يكون يُسمَع عنه أكثر، لأنّ الحديث العلني عن الشؤون الجنسيّة صار مُباحاً أكثر مِمّا كان من قبل، وأصبح هذا الأمر منتشِراً أكثر بواسطة وسائل الإعلام.
بالتالي، من الممكن أن تكون القضية ناتجة عن هذا الانطباع العام، وليس بالضرورة عن تزايد حقيقيّ في نسبة الشباب الّذين يمارسون الشّذوذ الجنسيّ.
ثمّ أنّه إذا كان هناك فعلاً من تزايد لنسبة الشّذوذ الجنسيّ بين الشباب، فما هي الأسباب؟ ما هي أسباب انتشار الشّذوذ الجنسيّ في أوروبا أو في بلدنا؟
بعد ذكرنا للأسباب النفسيّة العائدة لمرحلتي الطفولة والمراهقة، وإذا كان الشّذوذ ينتشر فعلاً في الغرب أو بدأ ينتشر في بلادنا، فإنّ أسباب هذا الانتشار تعود برأيي إلى العوامل التالية:
أ- ظاهرة غياب الأب في المجتمع الغربيّ المعاصر
فالأب في أغلب الأحيان شبه غائب عن الأسرة لأسباب متعدّدة، منها كثرة الانشغال. وكثرة الانشغال هذه عائدة من جهة لقسوة الحياة أو غلاء المعيشة، ومن جهة أخرى لمتطلّبات مجتمع الاستهلاك الّذي يدفع الناس دائماً لأن يُنفقوا أكثر وأكثر، وأن ويركضوا وراء مستوى معيّن من المعيشة تعمل كل وسائل الإعلام على تلميعه أمامهم. وأيضاً، هناك ضراوة المنافسة بين الشركات المختلفة التي تتطلّب من كوادرها (ذوي الوظائف العليا) العمل ليل نهار لكي يستطيعوا أن ينافسوا خصومهم بهدف اكتساح الأسواق.
بالإضافة لهذا الانشغال المهنيّ المتزايد، يوجَد لدى البعض الاهتمامات الاجتماعيّة العديدة التي تأخذ الكثير من الوقت، منها مثلاً النشاطات السياسيّة، النشاطات النقابيّة، النشاطات الاجتماعيّة والثقافيّة على أنواعها. كل هذا عدا عن أمكنة العمل التي هي في معظم الأحيان بعيدة عن مكان السكن، ممّا يجعل الكثير من الآباء لا يتناولون الغداء مع عائلاتهم، ولا يعودون إلى منازلهم إلّا في ساعة متأخرة من الليل. غياب الأب هذا إذاً هو ظاهرة اجتماعية معروفة في الغرب ينتج عنها أمور عدّة على الصعيد النفسيّ، ولا سيّما هذه العلاقة المفرطة بين الولد وأمّه. فالأب غير حاضر لكي يوازن هذه العلاقة الزائدة التي تنشأ بين الولد وأمّه، والتي هي من الأسباب الأساسيّة التي قد تؤدّي إلى الشّذوذ الجنسيّ.
ب- الحريّة الجنسيّة
انتشرت الحريّة الجنسيّة في الغرب منذ عشرات السنين، وبخاصة بعد الحرب العالميّة الثانية. وقد نتج عن هذه الحرية موقف متساهل ليس فقط تجاه الجنس بشكله العاديّ، إنّما بأشكاله الشاذّة أيضاً بما فيها الجنس المثليّ (كان الّذين يمارسون الجنس المثليّ قبل ذلك يُعامَلون بقسوة هائلة ويُضطَهدون اضطهاداً شديداً). وكنتيجةٍ لهذا التساهل تجاه الجنس بشكلٍ عام، أصبح باستطاعة الأشخاص ذوي الميول الجنسيّة المثليّة، والّذين كانوا مضطرّين لكبتها من قبل بسبب الاضطهاد القاسي، أصبح باستطاعتهم أن يعبّروا عن ميولهم بحريّة أكبر، ممّا يفسّر انتشار هذه الظاهرة إذا كأن هناك من انتشار!
ج- تبخيس الجنس السوي ّ (الاعتيادي أو الطبيعي)
أعني بتبخيس الجنس إفقاده قيمته، أو إفراغه من قيمته. ويحصل هذا التبخيس في بلادنا عن طريق تبخيس النظرة إلى الجنس، أي إضفاء نظرة تحقيريّة إليه. أمّا في الغرب فيكون التبخيس من نوع آخر. فالجنس هناك كما قلنا سهل ومباح بشكلٍ أنّه أصبح إلى حدّ بعيد عمليّة شبه آليّة تُمارَس كاحتكاكٍ بين أجساد دون أن يكون هناك من بُعْدٍ وجدانيّ أو من بُعْدٍ عاطفيّ وراءها. تحوّل الجنس إلى عمليّة آليّة ميكانيكيّة جسديّة بحتة في الكثير من الأحيان. فالأمر الّذي يُضفي على الممارسة الجنسيّة ملء زخمِها هو بالضبط البُعْد العاطفيّ الموجود فيها، البُعْد الوجدانيّ الموجود فيها. عندما يلتزم الإنسان بعاطفته، يأخذ عِندها العمل الجنسيّ كل أبعاده وكل تألّقه وكل تأجّجه. بدون هذا، يصير الجنس عمليّة سطحيّة تافهة لا قيمة لها. صحيح أنّها تعطي رعشةً لكنها رعشةً تافهةً لأنّها فارغة من المضمون، فارغة من المضمون الوجدانيّ، فارغة من المضمون العاطفيّ. إذاً بسبب تحويله إلى عمليّة آليّة، صار الجنس في الغرب منتقصاً ومبخّساً، وصار الناس يفتّشون عن بدائل سعياً وراء الإثارة، لأنّ الإثارة فُقِدَت من العمل الجنسيّ الاعتياديّ.
من جملة هذه البدائل نجد المخدّرات. ففي دراسة أجراها أخصائيّون نفسيّون سنة 1967 بين طلاب عدّة جامعات في نيويورك ونيوجيرسي (ذكَرْتُ هذه الدراسة في كتابي "الجنس ومعناه الإنساني")، نجد أنّ المخدّرات تتمتّع "بعطف متزايد" لدى هؤلاء الطلاب الجامعيين. فهم بأغلبيّتِهِم يفضّلونها على العلاقات الجنسيّة التي أصبَحت بالنسبة لهم أمراً عاديّاً وبالتالي فقدت جاذبيتها القديمة. لماذا؟ لأنّها أُفْرِغَت من كل البُعْد العاطفيّ الوجدانيّ الّذي يعطيها طعمَها.
وهناك دِراسة أخرى أجْرَتها محلّلة نفسيّة ألمانيّة الأصل مقيمة في الولايات المتّحدة وهي إحدى تلميذات فرويد واسمها هيلين دوتش Hélène Deutsch. درست دوتش عدداً كبيراً من أوضاع الشباب المراهقين الأميركيين الّذين كانوا يستشيرونها، ووجدت أنّهم، بالرغم من اندفاعهم بكلّيتهم وراء ما يسمّى بالثورة الجنسيّة أي الجنس السهل المباح، يعانون من حرمان عاطفيّ. فالجنس لم يعد يعطيهم أي إشباع عاطفي وذلك لأنّهم يمارسونه بشكل آليّ بطبيعة الحال، ففقد بالتالي طعمَه، وفُقِدَ عنصر الإثارة لديه. تقول دوتش أنّها لاحظت إمارات التعاسة بادية على وجوه هؤلاء الشباب المحطّمين [ممكن أن يعتقد الشاب الشرقيّ أنّ هؤلاء الشباب في الغرب عائشين في غمرة من السعادة لأنّ كل شيء مباح لهم!]، لأنّهم يعانون من الحرمان العاطفيّ، ولاحظت أيضاً أنّهم يلجأون إلى بدائل كالمخدرات من جهة أو الاهتمام بالانحرافات الجنسيّة بما فيها الجنس المثليّ من جهةٍ أخرى، سعياً منهم وراء الإثارة التي فقدوها في الاتصال السويّ مع الجنس الآخر.
ومن جملة البدائل أذكر أيضاً رُكْب الدرّاجات الناريّة المنتشرة في الغرب خصوصا عند الشباب. وقد قرأت في هذا المجال مذكّرات الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران François Mitterrand وهو أديب كبير. ففي خلال سياق حديث، يجاوبه شابٌ "الدرّاجة هي امرأتي"! ويعلّق الرئيس ميتيران على هذا الأمر ويقول أنّ فيها حقيقة بعيدة المرمى، لأنّه عندما يتحوّل الحبّ إلى عمليّة آليّة يصبح فارغاً من عنصر الحلم، من عنصر الشعور بالقوّة والاقتدار. لذلك يصير الإنسان يفتّش عن الحلم وعن الشعور بالقوّة والاقتدار ليس من خلال هذه العمليّة الآليّة التافهة بل عبر ركوب درّاجةٍ ناريّةٍ بسرعة 140 كلم بالساعة! ففي المجازفة عندئذٍ ينمو لديه شعور أقوى بكثير بالحلم وبالاقتدار، ولم تُمسِ الممارسة الجنسيّة، كما يقول فرانسوا ميتيران عن حقّ، إلاّ عملاً آليّاً غير مغرٍ.
هذه الانحرافات المنتشرة لها ارتباط إذاً بتبخيس الجنس وتحويله إلى عمليّة آليّة. وفي الغرب نجد أيضاً الاهتمام الشديد بالانحرافات الجنسيّة، ليس فقط بالجنس المثليّ أو الدرّاجات الناريّة وأمثالها، ولكن بأمور أخرى أكثر غرابة مثل الساديّة التي تعني اللذّة الجنسيّة المقرونة بالتعذيب. هناك أدب واسع حول هذا النوع من التوق ونعطي على ذلك مثل الكتاب الّذي لاقى رواجاً كبيراً وعنوانه Histoire d'eau ، والّذي تُقتَرَن فيه الإثارة الجنسيّة بتعذيب المرأة عن طريق جَلْدِها أو تشويهها. وبذلك تترافق اللذّة الجنسيّة عند الرجل بالساديّة، وعند المرأة بالمازوشيّة لأنّها تتلقّى التعذيب بلذّة. هذه نتيجة تبخيس الجنس، إفراغه من مضمونه، مما يفرغه من كل طعم ومن كل عنصر إثارة. يصبح الإنسان بحاجة لأن "يغيّر على ضرسه" كما يقال، فيدور في دوّامة، لأنّ ليس هناك ما يشفي الغليل، وكلّ هذا هربٌ إلى الأمام.
إنّما ما هو مُريع هو الاسترسال المتطرّف في هذه الانحرافات الجنسيّة، كنوع مرعب من الأفلام التي أثير الحديث عنها الولايات المتحدة واسمها أفلام Snuff أي التقتيل. وهناك دعوة قضائيّة أقيمَت على أحد الأغنياء الّذي كأن يُعْرَض في بيته أفلام فيها تعذيب لنساءٍ حتى الموت. واتّضح أنّ هذا النوع من الأفلام تسوّقه المافيا لأغنياء كبار يدفعون أثماناً باهظة جداً مقابل الحصول عليها. التهمة كانت موجّهة إلى منتجي هذه الأفلام، على الرغم من نكران الأغنياء أنّ هذا الأمر كان يحصل بالفعل، وأنّه مجرّد تمثيل فقط! ففي الأفلام كانوا يأخذون البغايا بغية التمثيل، فيعذبونهنّ فعلاً ويقتلونهنّ فعلاً. والدليل على ذلك أنّه لدى طلب السلطات منهم بأنّ يأتوا بهؤلاء الممثلات، لم يستطيعوا لأنّ الممثلات اختفين! لم اعد أعرف إلى أي مدى توصّلت التحقيقات، لكنّها قضية أثارت ضجّة كبيرة، وهدّدت الجمعيّات النسائيّة في الولايات المتّحدة بتفجير دور السينما التي تعرض هكذا أفلام. كلّ هذا يدلّ كيف أنّ الانحراف الجنسيّ يرتبط بتبخيس الجنس السويّ، بتبخيسه أي بإفراغه من مضمونه العاطفيّ والوجداني.
هل ظاهرة الشّذوذ الجنسيّ بدأت تنتشر بالفعل في مجتمعنا؟
لا يوجد لديّ معطيات تؤكّد ذلك، لكن بحال أنّ هذه الظاهرة بدأت فعلاً بالانتشار في مجتمعنا، فهذا مردّه وأسبابه تكون ـ بالدرجة الأولى ـ الهالة التي يأخذها كل ما يأتينا من الغرب من أفكار وأخبار وأزياء وصرعات. كل هذه الأمور تأتينا من الغرب، وتتناقلها وسائل الإعلام، ويتقبّلها الكثير من الشرقييّن بلهفةٍ ويعطّلون كل تفكيرهم النقديّ حيالها، أي يمتنعون عن أي نقد لها أو أي تمحيص. مع العِلم أنّ الغرب لا يتوانى عن انتقاد الأشياء الموجودة في الشرق بقوّة. إنّما للأسف نُضْفي على كل ما يأتي من الغرب طابعاً من القدسية يعطّل كلّ نقد حياله. لماذا؟
بالنظر إلى ما يتمتّع به الغرب بالإجمال، لا شكّ أنّ هناك أشياءً عظيمة جداً، ولكن هناك أيضاً أشياء دنيئة بطبيعة الحال. وكذلك في الشرق، نجد أشياءً عظيمة جداً وأخرى دنيئة. ولكنّ الكثيرين في بلدنا، وبخاصة الشباب الّذين لا يستطيعون التمييز، يحيطون بكل ما يأتي من الغرب بهالة من القدسيّة. فالغرب يتمتّع بنظرهم باعتبار مهمّ جداً، نتيجةً لعقدة النقص التي يشعرون بِها تجاهه.
من جهةٍ أخرى، الفصل بين الجنسيّن يمكن أن يعزّز ويفسّر سبب الشّذوذ لدينا. في الغرب، تبخيس الجنس السويّ هو الّذي يفسّر انتشار الشّذوذ. أمّا في الشرق فعلى العكس، الفصل بين الجنسيّن الّذي لم يزل القاعدة المتّبعة في مجتمعنا هو أرض قابلة جداً لانتشار الشّذوذ، فعندما لا يستطيع الإنسان أن يتصل بالجنس الآخر، من الطبيعي أن تتجه النزعة الجنسيّة لديه نحو شخص آخر من جنسه.
بعض تعليقات الأخ كوستي على مداخلات الحاضرين
الشاذ ليس إنساناً مريضاً، لا نستطيع أن نسمّي الشّذوذ مرضاً. يمكن أن نقول أنّ الاتجاه الجنسيّ لديه هو غير الاتجاه المألوف، هو اتجاه غير اعتيادي، لكن لا نستطيع أن نسمّيه مرضاً. في المقابل، يعاني هذا الإنسان من اختلافه عن معظم الناس. يوجد لديه معاناة شديدة جداً والناس لا تفهم معاناته، وتصير بالازدراء والاحتقار تغرّقه أكثر، كما ويمكن أن يصبح لديه عقد نفسية تنشأ من شعوره أنّه مرذول ومنبوذ. حتى في الغرب حيث يتقبّل الرأي العام الشّذوذ الجنسيّ أكثر منه في الشرق، يكون هذا التقبّل سطحيّاً إلى حدّ بعيد ويظلّ الأشخاص الشاذّون جنسياً يعانون من غربة شديدة لا شك.
التربية الجنسيّة ليست سهلة، التربية الجنسيّة لا تقتصر على المعلومات الجنسيّة. تُفهَم التربية الجنسيّة في كثير من الأحيان على أنّها تفسير لكيفيّة التناسل، لتكوين الأعضاء الجنسيّة عند الرجل والمرأة، هذا مهم لكن هذا ليس سوى جانب من جوانب هذه القضيّة، لأنّ الأهمّ هو تربية الميل الجنسيّ. كيف يجب أنّ يُوَجَّه هذا الميل حتى يبلغ غايته الحقيقيّة، حتى يسعد الإنسان ويحقق إنسانيته. لكن لمن يجب أن نُسند هذه التربية ؟ ليس بالضرورة أن يكون المعلّم الاختصاصي بالبيولوجيا قادراً على أن يعطي هذه التربية الوجدانية. إنّها قضيّة حسّاسة ويجب أن نواجهها بوعي. الخبرات الحديثة في المدارس تتنبّه لهذا الموضوع، ويكون هناك في بعض الأحيان تنسيق وتعاون مع أهالي التلاميذ.
2- كيف السبيل لمحاربة الشّذوذ الجنسيّ؟
بالنسبة لمكافحة الشّذوذ، أودّ أن أوضّح أوّلاً كيفيّة عدم مكافحته. فالشّذوذ لا يُكافَح بالاستنكار، لأنّ الاستنكار يشفي غليل صاحبه فقط وهو قليل الأثر (مثل استنكار الحرب الّذي لم يؤد إلى أية نتيجة بعد 12 سنة). ثم أنّه لا يكافَح بالمواعِظ . يجوز أن تكون المواعظ جميلة لكنها قليلة الفائدة. ولا يكافح بالاضطهاد لأنّ الاضطهاد يُفسِد من يُقدِم عليه. لا بل من يضطهد الشاذّين قد يكون حانقاً عليهم لهذه الدرجة الكبيرة بسبب خوف لاشعوري لديه من نزعة مماثلة موجودة فيه ولكنّه يكبتها ويحاربها بضراوة في الآخر حتى لا يواجهها في نفسه هو.
لا الاستنكار ولا المواعظ ولا الاضطهاد تذهب إلى لبّ المشكلة، كل هذه الأمور تتصدّى لظاهرة الشّذوذ دون أن تتعرّض لجذورها وأسبابها، ولذلك هذا النمط من المعالجة من خلال الاستنكار والمواعظ والاضطهاد يبقى معالجة سطحيّة لا تحلّ المشكلة.
المعالجة الحقيقيّة هي التي تتناول القضية في العمق وتواجه الدوافع والأسباب. هذه المعالجة تتمّ من خلال المساعي التالية:
أ- إعادة الاعتبار للجنس السويّ
بهدف مكافحة الجنس الشاذ، يجب أن نعيد الاعتبار للجنس السويّ. وأقصد بإعادة الاعتبار للجنس السوي أولاً أي في طبيعة الحال ألّا نحيط الجنس السويّ بالتأثيم وهذا من الأمور التي توجّه الناشئة نحو الجنس نفسه وألّا نربّي الناشئة على أنّ هذا إثم. فتأثيم الجنس السويّ هو بعيد عن قصد الله وعن تعليم الله، وهو ناتج عن عقدنا البشرية. إنّما إعادة الاعتبار للجنس السويّ تعني شيئاً آخر، وهو أن نتّخذه بكل أبعاده، أي ألّا نعتبره ممارسة جسدية أو شهوانية فقط لأنّنا نكون نبتره عندئذ و نحوّله إلى ممارسة آليّة. هذه الممارسة الآلية تفقد كل طعم ومعنى، ويصير الإنسان يفتش عن بديل بالجنس المثليّ وبكل الانحرافات الأخرى. إعادة الاعتبار للجنس السويّ بهذا المعنى تعني إذاً أن يستعيد هذا الجنس تكامله وقدرته على إنعاش الإنسان وعلى إسعاد الإنسان، أن يكون هذا الجنس جنساً كاملاً فيه الشهوة ولكن فيه الحنان أيضاً.
الشهوة والحنان متداخلان مع بعضهما البعض تداخلاً حميماً جداً. وفي هذا السياق، نذكر أنّ وسائل الإعلام لا تعطي إلّا صورةَ مبتورةً عن الجنس، صورة آلية لا تروي غليل الإنسان، فيشرع بالتفتيش عن البدائل. المفروض بالأهل وبالمربّين وبوسائل الإعلام أن يبرزوا جميعهم هذا الارتباط الّذي لا ينفصل، الارتباط الّذي يتميّز فيه الجنس عند الإنسان، الجنس الإنساني الأصيل الّذي هو بين الرغبة وبين الحنان.
ب- إسناد دور أكبر للوالد في الأسرة
كلّما اكتسب دور الأب أهمّيةً في حياة الأسرة، كلّما خفّ خطر طغيان العلاقة بين الأم وولدها. هذا الطغيان في العلاقة هو من الأسباب الرئيسية للشذوذ الجنسيّ، علماً بأنّ غياب الوالد ليس ظاهرة يتميّز بها الغرب فقط كما يُشاع ، إنّما هي أيضاً قائمة في مجتمعنا الشرقيّ. عندنا ينحصر دور الوالد خارج البيت: الوالد هو الّذي يؤمّن معيشة الأسرة، وهذا خطأ فادح لأنّ دوره يتمثّل في الخارج والداخل على السواء. الممارسة الشائعة الأخرى في مجتمعنا وهي خطأ أيضاً أنّ دور الوالد يبدأ عندما يكبر الأولاد، وكل الوقت قبل هذا يتركهم لأمّهم، وهذا يعني أنّه خلال السنين الحسّاسة التي على أساسها تُبنى الشخصية يكون الأولاد وحدهم مع والدتهم، ما يوجِد مناخاً لنشوء هذه العلاقة الطاغية بين الولد وأمه التي قد تؤدي إلى الشّذوذ الجنسيّ وإلى أمور أخرى لا تقلّ فداحة. لا يخفّف حضور الوالد من استئثار الأم بولدها فحسب، ولكنه يبعد عن الأم الحاجة لهذا الاستئثار. فحضور الأب إلى جانبها يمدّها بالإشباع العاطفي التي هي بحاجة له، وبالتالي لا تعود بحاجة لأن تعوّض عن الفراغ العاطفيّ بهذا التشبّث الخانق بأولادها. بصيغة أخرى، إذا أردنا أن نحوّل الأم عن هذا التعلّق المرضي بأولادها علينا أن نحرّر المرأة. تحريرها مثلاً بإفساح المجال أمامها للعمل خارج البيت، إحاطتها بشتّى مظاهر الاعتبار، ألّا نعاملها كطفلة مدلّلة مثلما تُعَامل في مجتمعاتنا لأنّ هذا ليس اعتباراً لها. الاعتبار هو أن نعتبرها إنساناً بكل معنى الكلمة، مكتملة الإنسانية. فإذا تحرّرت المرأة استعادت ملء إنسانيتها من خلال تحرّرها، ولا يعود لديها دافع لأن تعوّض عن انتقاصها وإحباطها بتشبّثها المفرط بالولد وبامتلاك هذا الولد. هكذا يتحرّر الولد بدوره. فإذا تحرّرت المرأة تحرّر الولد، وإذا تحرّر الولد تحرّر الرجل ـ رجل الغد ـ ؛ تحرُّر المرأة هو تحرُّر الرجل أيضاً مروراً بتحرُّر الولد.
ج -إزالة الفصل بين الجنسيّن الّذي يمارسه مجتمعنا اليوم واعتماد الاختلاط
المقصود بالاختلاط هنا هو ليس الاختلاط العشوائي الّذي تنطلق فيه النزوات على سجيّتها. الاختلاط الحقيقيّ هو تشجيع علاقات مسؤولة ومنعشة بين الجنسيّن، مبنيّة على التعارف وعلى التبادل وعلى التعاون وعلى الاحترام المتبادل .هذا الاختلاط هو ليس مثلما تقول التيارات المتزمّتة الرائجة في هذه الأيام أنّ هذا مرادف للإباحيّة. بل بالعكس هذا النوع من الاختلاط هو وحده القادر فعلاً أن يهذّب النزعة الجنسيّة ويتسامى فيها. وبالتالي به وحده نستطيع أن نصل إلى أخلاق جنسيّة حقيقيّة ليست مبنيّة على واجهة وزيف، إنّما متأصّلة في أعماق الكيان.
الاختلاط الصحيح هو وحده الّذي يربّي النزعة الجنسيّة، هو الّذي يؤنسنها. بالطبع كي ينجح هذا الاختلاط يُفتَرَض أن يرافق هذه العلاقات بين الجنسين مرشدون إلى جانب الشباب والفتيات، مرشدون بكل مجالات الحياة الاجتماعيّة، في المدرسة، في النوادي، في كل مكان. مرشدون واعون وكفوؤون يرعون العلاقات بين الشباب والفتيات ويوجّهونها بوعي وتفهّم ومرونة حتى يقدم الشباب والفتيات على خبرة الاختلاط بأفضل الشروط وأسلمها.
3- هل يعتبر الشّذوذ الجنسيّ خطيئة؟
إذا كانت الخطيئة هي الابتعاد عن مقاصد الله، المقاصد التي رسمها للإنسان، نستطيع أن نقول أنّ الجنس المثليّ يشكّل انحرافاً للحبّ عن المقاصد الإلهيّة بشأن الحب الإنسانيّ. والجنس المثليّ لا يحقق هذا القصد وينحرف عنه. لماذا؟
لأنّ العلاقة الجنسيّة المثليّة هي حبّ مبتور عن بعدين أساسيين من أبعاد الحبّ، بعدين أساسيين أرادهما الله للحبّ، أي زرع في القلب الإنسانيّ توق إلى تحقيقهما. الله زرع إرادته في قلب الإنسان، حيث هناك نداء لتحقيق ملء إنسانيته، هذا هو صدى إرادة الله. إذاً يوجد بعدان أساسيّان من أبعاد الحبّ، يعبّران عن مقاصد الله وعن إرادته وهما غائبان في الجنس المثليّ.
البعد الأوّل: الحب مرشّح لأنّ يتّجه نحو كائن مختلف تماماً. الحبّ هو حبّ الآخر، الآخر الّذي هو آخر بكل معنى الكلمة. هو ليس فقط شخصاً مختلفاً عنّي لكن جنسه مختلف عن جنسي أيضاً.
إذا كان الشخص مختلفاً عنّي ولكن جنسه مثل جنسي، هذا يعني أنّ الشخص الآخر هو صورة عنّي. لذا أنا لا أكون اتّجهت نحو آخر هو آخر فعلاً، إنما اتّجهت نحو آخر اتّخذت منه صورة لذاتي! إذاً بطريقةٍ ما أنا ما زلت متجهاً نحو ذاتي، لم أخرج من ذاتي والإنسان لا يجد ذاتَه إلاّ إذا خرج من ذاتِه، لأنّه لا يغتني إلاّ إذا انسلخ عن ذاته، عندها "تتوسّع" ذاته وتنتعش. وهذا لا يتمّ بالجنس المثليّ. أحد الأخصائيين الكبار في أمور الجنس في باريس Gilbert Tordjman يقول: صاحب الجنس المثليّ يحيا الجنس وكأنّه أمام مرآة، في المرآة يرى الإنسان نفسه ويتعشّق صورةً لذاته. ويضيف توردجمان أنّ هذه النزعة الجنسيّة هي متلوّنة بالنرجسيّة (نسبة لنرجس وهو الشاب الجميل جداً الّذي رأى نفسه في الماء فعشقها وبقي إلى جانبها يتأمّلها، إلى أن استبدّ به الشوق إليها في وقت من الأوقات، فأراد أن يعانقها، فعانقها وغرق في الماء) أي عشق الذات. إذاً البعد الأوّل الناقص في الجنس المثليّ هو بعد الاتجاه نحو الآخر.
البعد الثاني: أمّا البُعد الثاني الناقص فهو بُعد الخصوبة. الخصوبة تعني الإنجاب والإنجاب عند الإنسان هو ليس عملية بيولوجية فقط. هو عملية مرتبطة بالحبّ ارتباطاً وثيقاً، هو يعني هذا الحبّ الزوجيّ الّذي يفيض عن المحبَّيْن والّذي يوجِد كائناً جديداً. هذا الكائن هو ليس فقط وليد جسديهما وإنّما وليد حبّهما أيضاً، هو تجسيد لهذا الحبّ. هذا الشخص الواحد يجمعهما مع بعضهما، يجسّد هذا الحب الّذي يدفعهما لأن يكونا واحداً. الولد هو تجسيد للحبّ وفي الوقت نفسه مستقرّ لهذا الحبّ أي ينسكب عليه هذا الحبّ الزوجيّ ويفيض عليه.
العلاقة الجنسيّة المثليّة محرومة من هذا الامتداد الطبيعي للحبّ لأنّ طريق الخصوبة الجسديّة مقطوعة عليه.
إذاً بسبب غياب هذين البعدين للحب: اتجاه الحب نحو آخر يكون آخر بالكلّية وامتداد الحب بالخصوبة، يكون الحب المثليّ ليس حبّاً يتمّم تماماً مقاصد الله. هو حب مبتور إذا غصنا بمقاصد الله. لهذا السبب يُمكن أن نقول أن الشّذوذ خطيئة ... إنّما أريد أن أؤكّد على أمر مهمّ: أنّه إذا كان الجنس المثليّ خطيئة بحدّ ذاته، فإنّ هذا لا يمثّل بأيّ شكل من الأشكال حكماً على الّذي يمارسه! نحن نحكم على الجنس المثليّ من حيث هو، ولا نحكم على الّذي يمارسه، لأنّ الّذين يعيشون ممارسة الجنس المثليّ في حياتهم الشخصيّة، يكون هذا الأمر متروكاً لحكم الله. نحن نحكم على العمل ولكن لا نحكم على الّذي يمارس هذا العمل. هذا، الله وحده يستطيع أن يعرف نواياه وإمكانيّاته وجهوده، ولذلك الله وحده يستطيع أن يحكم عليه. والحكم على الأشخاص الّذين يمارسون الجنس المثليّ ليس سهلاً بتاتاً.
سهل أن نحكم على الجنس المثليّ ذاته ولكن من الأصعب بكثير أن نحكم على الأشخاص. يجب أن نتذكّر أنّ هؤلاء الأشخاص كثيراً ما يعيشون وضعاً دراميّاً صراعيّاً؛ يعيشون في الكثير من الأحيان شيئاً من المأساة. يجب أن ندرك مدى صعوبة الحكم عليهم كأشخاص بسبب وجود اختلاف كبير بينهم. فبعض الّذين يمارسون الجنس المثليّ مثلاً لديهم ميلان: ميل للجنس نفسه وميل للجنس الآخر. وفي المقابل يوجد أشخاص آخرون ليس لديهم ميل إلاّ للجنس نفسه. أي بطبيعة الأحوال، الوضع ليس ذاته بالنسبة للفريقين من ناحية الحرية. وضع الفئة الثانية أصعب بكثير من ناحية الحرية لأنّ الفريق الأول لديه الخيار إلى حدّ ما (وأقول إلى حدّ ما)، بينما ليس هناك من خيار للفريق الثاني. الحرية ليست نفسها عند الجميع.
يوجد اختلاف أيضاً بنوعيّة السلوك. في الماضي، كان شائعاً أنّ من يمارس الجنس المثليّ هو إنسان يتنقّل من شريك إلى شريك لا يثبت في علاقة. كانت هذه الفكرة السائدة إلى حين إجراء دراسة استغرقت 10 سنين في الولايات المتحدة الأميركية والتي أثبتت أنّ نسبة كبيرة من الّذين يمارسون الجنس المثليّ يثبتون على شريك واحد ولا يغيّرونه. إذاً هناك فرق في نوعية الممارسة، وأستطيع أن أقول أنّ الّذين يثبتون على شريك واحد، حتّى ولو كانت ممارستهم الجنسيّة لا تحقّق مواصفات الحب الكامل، هم أقرب إلى الحب من الّذين يتنقّلون من شريك إلى شريك. نستنتج ممّا ذكرت مدى صعوبة الحكم على الأشخاص. الأمر دقيق جداً ... نوايا الإنسان، إمكانيّاته، جهوده، متروكة لله وحده تقديرها ... هو وحده فاحص القلوب. لذلك يبقى الحكم عليهم متروك لله، ونحن نعرف أنّ حكم الله توجّهه دائماً الرحمة، ومطلوب منّا أن نتعلّم منه الرحمة حتى نستحقّ أن نكون أبناءه.
هذا وقد أظهرت هذه الدراسة التي ذكرناها مدى المعاناة التي يعيشها الشاذّون جنسيّاً. فلقد تبيّن أنّ ثلث الشاذين من الذكور يمتنعون عن كل ممارسة جنسيّة، وهذا يدلّ كم هم يجاهدون، لا يمارسون الجنس نهائيّاً لأنّه ليس لديهم أي ميل للجنس الآخر، ولا يريدون في الوقت نفسه أن يُشبِعوا ميلهم إلى ممارسة الجنس المثليّ. فكما يبدو، على قول Dr. West أحد الأخصائيين البريطانيين في الشّذوذ الجنسيّ، يبدو أنّ هذا الامتناع الجنسيّ الكامل هو ممكن عند أناس صمّموا على ذلك. هم اتّخذوا هذا القرار بملء إرادتهم، بموجَب قناعة لديهم وليس لأنّهم مغلوبٌ على أمرهم. هم مقتنعون ومصمّمون على الامتناع الجنسيّ الكامل، خاصّة إذا كان لديهم روح التضحية وإذا استطاعوا أن ينصرفوا كلّيّاً إلى قضيّة تستهويهم، أو إلى نشاط يلتزمون به ويشغل حياتهم. هذا يدلّنا على أنّ هناك أشخاصاً، لديهم الشّذوذ الجنسيّ، ويسلكون طريق البطولة، طريق البطولة التي يسبقون فيها الكثير من غيرهم الّذين يُعتبرون أسوية!
يجب أن نتعلّم ألّا نكون متسرّعين في أحكامنا، وأن نكون متأنّين كثيراً على الناس. من الواضح أنّ الجنس المثليّ لا يحقّق مواصفات الحب الكامل، إنّما هذا لا يمنع أن نحترم الأشخاص الّذين يمارسونه، أن نحترمهم ونتفهّمهم. وإذا صادف أن التقينا بأحدٍ منهم، علينا أن نحاول أن نكون إلى جانبه الصديق المتفهّم وليس الإنسان المستعلي الشامت الّذي ينصّب نفسه حاكماً على الآخر، وليس أسهل من الحكم على الآخر.
بعض تعليقات الأخ كوستي على مداخلات الحاضرين