القيت هذه الكلمة في لقاء اقامه فرع الميناء لحركة الشبيبة الارثوذكسية في ١ اذار ٢٠١٤
في هذا الموقف المهيب ماذا أقول أنا الصغير أمام الإنسان الأخ كوستي الصغير، أمامكم جميعًا. ماذا أقول بعد هذه الكلمات التي عبّرت عن صفات هذا الإنسان المميّز وعن حياته. الذي أريد أن أقوله باختصار: أوّلاً كوستي هو هذه الحياة. الحياة البسيطة والحياة الحلوة شيئان يلفتان نظري إليه. طبعًا قيل الكثير وربّما أكرّر ولكن أكتفي بذكر الشيئين: لا شكّ في أنّه المعلّم كما قيل، لا شكّ في أنّه العالم.
ولا شكّ في أنّه الكاهن لأنّ
:بيان صادر عن بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
أيها الصالح. لقد أمتّ الموت وأبدت الجحيم بدفنك ذي الثلاثة الأيام. ولما نهضْتَ كما يليق بالله. أنبعتَ الحياة للذين في العالم يا يسوع ملكي” (من الخدمة الليتورجية الأرثوذكسية ليوم 12 كانون الأول)
كوستي بندلي الذي تودعه كنيسة أنطاكية اليوم على رجاء القيامة هو واحدٌ
كوستي بندلي كأيقونة صامتة
لمّا طُلب إليّ أن أكتب عن كوستي بندلي، تردّدت كثيرًا، ليس لأنّي لا أعرف الرجل، بل ربّما لأنّي أعرفه كثيرًا، وما أريد أن أقوله عنه يجرح تواضعه لأنّ المديح يجرح المتواضعين.
لخمس وعشرين سنة مضت، وقف كوستي بندلي أمامي في القدّاس الإلهيّ في كنيسة النبي الياس – الميناء كأيقونة صامتة، ولكن معبّرة جدّاً. كنت تقرأ في وجهه كيف يصلّي الإنسان، كيف يرتّل صامتًا والفرح بادٍ على محيّاه، تفجّره دمعة تسيل بهدوء من عينه وهو شاخص إلى وجه السيّد في الأيقونة.
وحيث إنّ أولاد الرعيّة والصغار منهم يجلسون أيضًا أمام الباب الملوكيّ، كان كوستي بينهم كراعٍ، قلْ كطفل منهم، لا ينزعج من حركاتهم ولا يتضايق، بل كان ذلك يزيده فرحًا لأنّهم استمراريّة الكنيسة الحيّة.
وأعود إلى الوراء أيضًا يوم كنت عضوًا في فرقة القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، وكان مرشدنا.
كلمة الأستاذ شفيق حيدر خلال مؤتمر أدباء طرابلس الذي نطمه نادي ليونز طرابلس وجامعة سيدة اللويزة في جامعة سيدة اللويزة، برسا – الكورة نيسان 2012
لا بدّ بداءة من بوح
لقد سرّني كثيرًا تكليف الصديقين الدكتور أميل يعقوب والدكتور رامي عبدالحيّ أن أتحدّث عن الصديق المربّي الدكتور كوستي بندلي الّذي له الفضل الكبير في مساعدتي شخصيًا على أن أربـو وأنمـو وأزيد.
ولكنّي ومن باب المصارحة
كيفَ لي وأنا الطبيبَ الذي يتعاطى ، في صِلبِ مهنتِه، شؤونَ الجسدِ وشجونَه ، وأنا الجراحَ أيضاً الذي تقتصرُ مداخلاتُه على مادةِ الجسدِ وعاهاتِه ، كيفَ لي أنْ أقاربَ موضوعاً كهذا ينظرُ إلى الإنسانِ ككائنٍ أعظمَ من جسدِه ، ويبحثُ عن اللهِ في فكر أديبٍ وفيلسوفٍ وعالم نفسٍ عظيمٍ ، دونَ أن ألهثَ مقصِّراً في إدائي، فلا أُعطي صاحبَ الحقِّ حقَّهُ ولا أتعسّرَ في سَبرِ أعماقِ نبوغِه. أخافُ بالفعل أن أقصّرَ وأتعثَّرَ. غيرَ أني سأبذلُ جهدي وأتخطّى قيودي البشريَّةَ لألامِسَ، قدرَ استطاعتي، أعماقَ هذا الفكرِ البندليِّ .
القيت هذه الكلمة في لقاء اقامه فرع الميناء لحركة الشبيبة الارثوذكسية في ١ اذار ٢٠١٤
كوستي بندلي مهما بلغ من مراتب العقل يبقى الرسول. فقد كان قلبه أوسع من تأمّلاته العقليّة ورسالته أقوى من كتاب. كانت العلاقات الوجدانيّة مسراه وما كان مسراه يحدّه الانتقال من عقله إلى العقول وحسب بل من قلبه إلى القلوب، ذلك بأنّه كان رسالي المنشأ والمعشر. هو من قوم هادين. ولعلّ كنيسته لا تعرف المواقف العقليّة البحتة لكون فكرها دائمًا ملتزمًا. نحن في هذه الكنيسة ما كنّا يومًا مفكّرين ذهنيّين وحسب بل عمّال للكلمة الذي كان من البدء. لذلك أمكن قومًا أن يروا الرجل مجرّد مبشّر وكيف يأتي الكلام في الله غير بشارة تؤدّى في الفرح.
لم ير كوستي بندلي يومًا أنّ العقل