" الفكر عطية كبرى من الله وأحد عناصر الصورة في الإنسان، لذا لا يجوز الكفر به بحجة ما قد يقع فيه من شطط وغرور"
مواقفنا من أولادنا: إمتلاك أم إطلاق؟– “نحن وأولادنا”-الجزء الأول
"سلسلة نحن وأولادنا - " الجزء الأول - تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع م.م الطبعة الرابعة 2013 قد يستغرب البعض عنواناً كهذا! وهل في مواقفنا من أولادنا مشكلة؟ أليست مواقفنا بالضرورة مواقف حبّ وحنان وتضحية وتفانٍ؟ يجيب الكاتب أنّ التربية العائليّة هي أكثر بكثير من مجرّد أساليب ... إنّها قبل كل شيءٍ موقف شخصيّ يقفه الأهل من أولادهم. هذا الموقف هو الذي يحدّد نوعيّة علاقة الوالدان بالأولاد وأسلوب تصرّفهما تجاههم. فإذا كان هذا الموقف سليماً، كان للتربية حظّ كبير بأن تكون ناجحة على تنوّع الأساليب ... بل إنّ الأخطاء نفسها، التي لا بدّ أن يرتكبها كل والد أو والدة من حين إلى حين، تفقد الكثير من أهمّيتها وأذاها. أما إذا لم يتوفّر هذا الموقف السليم، فقد نفشل في مهمّتنا كوالدين، رغم حرصنا على اعتماد أفضل الوسائل التربويّة الحديثة! يضيف الكاتب: لا يكفي أن نحبّ، إنّما ينبغي أن نتساءل كيف نحبّ؟ لا يكفي أن نضحّي، إنّما ينبغي أن نتساءل كيف نضحّي، ولماذا في النهاية نضحّي؟ بعبارة أخرى يجب أن نتساءل عن نوعيّة حبّنا. فهناك حبّ يُحيي وحبّ يُميت، حبّ يُحرّر ويُطلِق وحبّ يُكبّل ويخنق. كشف لنا علم النفس الحديث أن لدينا دوافع لا شعوريّة نابعة من كوامن أنفسنا، ومتأصّلة أحياناً في رواسب طفولتنا، كثيراً ما تختلط بحبّنا لأولادنا، لتحوّله بدرجاتٍ متفاوتة عن غايته الأصليّة! فما هو نوع حبّنا، يا ترى؟ نحن نعلم أن أولادنا مجموعة متناقضات تُحيّرنا أحياناً. ولكن الحقّ يُقال بأنّنا، من جهتنا، لا نخلو من هذا التناقض ... تناقض لا نعيه في كثير من الأحوال ولكنّه يُحدّد، من حيث لا ندري، سلوكنا وتصرّفاتنا. يصف الكاتب هذا التناقض بأنّه قائم بين موقفين: أحدهما يعتبر أولادنا وسيلة والآخر يعتبرهم غاية. يتوسّع الكاتب في وصف هذين الموقفين، ويطمئننا ألا نخاف أمام هذا التناقض، إنّما يجب أن ننتبه قدر الإمكان إلى وجوده فينا، كي يتسنّى لنا مساعدة النزعة السليمة، ألا وهي اعتبار الولد غاية بحدّ ذاته، على التغلّب على النزعة المُنحرفة، التي تعتبره وسيلة. ألسنا أحوج إلى من يحدّثنا بالأحرى عن بعض الأسالي...
أمثال الملكوت
(مقتبس عن كتاب ليواكيم يارمياس) – منشورات النور - الطبعة الثانية - 1992 ملخص هذا الشرح للأمثال يقصد خاصة إظهار ما كان يعنيه الرب يسوع نفسه عندما تلفّظ بها. وهذا ما يفترض تحديد الظرف الذي قيل فيه كل منها والجمهور الذي كان موجَّهًا إليه، كما أنه يفترض دراسة لغوية دقيقة للنص (بالرجوع إلى أصله اليوناني وأحيانًا بمحاولة استعادة الصيغ الآرامية التي تكلم بها الرب يسوع والتي يترجمها هذا النص اليوناني) ومقارنته مع الأدب الديني اليهودي ومع أسفار العهد القديم، ويتطلب كذلك استنادًا إلى المعلومات التاريخية والأثرية التي تلقي ضوءًا على البيئة التي عاش وتكلم فيها الرب يسوع وعلى قوانينها وعاداتها ونمط معيشتها. مرورًا بهذا المجهود الشاق نستطيع أن نستقصي ما قصده الرب يسوع بالضبط في كل من هذه الأمثال التي كان من خلالها يكشف لسامعيه أسرار الملكوت الذي به أتى إلى العالم. وهكذا يتاح لنا إذا تأملنا روحيًا في الأمثال وحاولنا أن نترجمها إلى حياتنا الحاضرة، أن ننطلق لا من تصورات ذاتية عن معانيها بل من المعنى الذي شاءه لها الرب نفسه. فيكون التنقيب العلمي الرصين وسيلة لإستكشاف الرسالة الإنجيلية في أصالتها المحيية. طبعات أخرى: منشورات النور -الطبعة الأولى 1983 ...
الله والشر والمصير
"الإنجيل على دروب العصر" - منشورات النور -الطبعة الأولى 1993- ملخص يركز هذا الكتاب على التعرّض لصورة شائعة بين الناس، تشوّه بنظرنا وجه الله تشويهًا فادحًا. إنها صورة إله تُنسب إليه الشرور الطبيعية كالأمراض والمصائب والكوارث، سواء أتمّت هذه النسبة بصورة فظّة كما في التعبير الشعبي الذي يتردد على الألسنة بشكل تمنٍّ: “الله لا يضرّك” (مما يفترض أن الله كائن يُخشى ضرره وأذاه)، أو بالصيغة الملطّفة التي يستخدمها المتنوّرون وهي أن الله “يسمح” بهذه الشرور، وكأنه يتنصّل منها ويغضّ النظر عنها بآن (وكأن هؤلاء، كما أشار أحد اللاهوتيين، يجعلون من موقف الله موقفًا شبيهًا بموقف بيلاطس البنطيّ عندما “غسل يديه” متنصلاً من موت يسوع الذي كان قادرًا أن يمنعه لو شاء)، هذا بالنسبة للشر الطبيعي. أما الشرّ الخلقي، أي الخطيئة، فموقف الله منها، على حدّ الرأي الشائع الذي نحن بصدده، أشبه ما يكون بموقف أحدنا إذا ما لحقته إهانة. فهو يتربص لمرتكبي الخطيئة ويصبّ عليهم جام غضبه وينزل بهم أشد الويلات، ويميتهم “تأديبًا”، وإذا ما أصرّوا على عصيانه “يرسلهم” بعد موتهم إلى جهنم ويعذبهم بالنار بلا رحمة إلى أبد الآبدين. ...
الجسد والعفة والحب
"الإنجيل على دروب العهد " 5 (مع الأب الياس مرقص والمطران جورج خضر) منشورات النور – الطبعة الثانية 1995 ملخص قضية العفة خطيرة بالنسبة للشباب للمشاكل التي تطرحها عليهم وللصعوبات التي يلاقونها في هذا المضمار. ومن ناحية ثانية بالنظر الى التيارات المختلفة، من فكرية، واجتماعيةـ التي تحاول في بلادنا أن تتعرّض للعفة متسترة وراء تقسيرات مغرضة مشوّهة لمعطيات العلم الحديث أو فهم خاطئ للحرية الشخصية، فنراها تجتهد أن تُظهر العفة بمظهر التزمت والرجعية وأن تربطها بمفاهيم اجتماعية بائدة، يساعد على ذلك كله ذاك الجو المثير للغرائز الذي أوجدته وما زالت تغذيّه في حضارتنا الكتب والمجلات والأزياء والأفلام السينمائية. طبعات أخرى منشورات النور – الطبعة الأولى – 1983
عناد الولد وسلطة الوالدين– “نحن وأولادنا”-الجزء الثاني
- "ذكيّ وعصبيّ، ورش وعنيد". - "مشكلتنا أنّ ابنتنا عنيدة ولا تسمع الكلام من أوّل مرّة. فلماذا؟" كم من مرّة صدرت عنّا هذه التساؤلات؟ كيف يُمكن معالجة الطفل العنيد وهل يجب أن نعاكسه، أم نتركه يفعل ما يريد؟ العناد سلوك يعبّر عن نزعة عند الولد إلى مخالفة الوالدين وتأكيد مواقف له ... العناد مزعج في أغلب الأوقات، إنّما له دور إنمائي ذو وجهان: تأكيد لتمايز الشخصيّة النامية واختبار لقدراتها الناشئة. لكن قد يتّخذ العناد شكلاً مفرطاً، إن من جهة حدّته، أو من حيث امتداده الزمنيّ. في هذه الحال ينبغي لنا، بدل التركيز على هذه الظاهرة بحدّ ذاتها، أن نُدرك أن ولدنا إنّما يتّخذها لغةً يعبّر بها عن ضيقٍ ما يعاني منه. ومن أجل ألّا تتحوّل رعاية الوالدين للأولاد إلى تحكّم من القوي بالضعيف الذي يؤدّي إلى العناد بشكل شبه حتميّ كدفاع مستميت يمارسه الولد عن كيانه الشخصيّ، بنبغي لسلطتنا الوالديّة أن تتقيّد بشروط أساسيّة، ومنها: أن نمتنع عن الإفراط في إصدار الأوامر، أن نأخذ بعين الاعتبار إمكانيّات الولد وفقًا لمرحلة عمره، بالإضافة إلى شروط أخرى يفصّلها الكاتب في كتابه القيّم هذا. إنّ موضوع العناد، كما وأية مشكلة تربويّة أخرى، لا يعني الولد وحسب، إنّما هو يعني في الصميم تلك العلاقة القائمة بيننا وبين ولدنا. من هنا يستدرجنا موضوع العناد، وبشكلٍ طبيعيّ، إلى مواجهة موضوع نمط علاقتنا بأولادنا على وجه العموم، وبشكلٍ أخصّ موضوع نوعيّة السلطة التي نمارسها حيالهم! كل هذا يقودنا إلى السؤال الأساسيّ الذي عبّر عنه الكاتب في خلاصة الكتاب: "هل أنّني أعامل فعلاً أولادي وفلذات كبدي، على حبّي الكبير لهم، هل أعاملهم كما أودّ أنا أن أُعامَل من حيث المراعاة والاعتبار والكرامة؟" هذه المجموعة، المنطلقة من تساؤلات الأهل، تحاول أن تقدم لهم جوابًا مقنعًا وشافيًا عن هواجسهم التربوية، مستندًا إلى خبرة المؤلف كوالد ومرشد تربويّ وإلى تخصّصه النفسي. إنها تسلّط الضوء على طبيعة المواقف التي يتخذها الوالدون تلقائيًا في سياق حياة الأسرة، والتي تؤثّر سلبيًا، من حيث لا يدرون أحيانًا، في سلوك أطفالهم، وذلك بغ...
مدخل إلى العقيدة المسيحية
إن مقارنة سريعة لهذه الطبعة مع سابقتيها تظهر بجلاء محاولة تطوير هذا الكتاب إلى ما نعتقده الأفضل. فالطبعة الثانية مزيدة ومنقحة بالنسبة إلى الطبعة الأولى، وكذلك الطبعة الثالثة هذه. فقد أضيفت إليها فصول بكاملها تتناول المسيح الكوني والثالوث القدوس والكنيسة والمعمودية والمجيء الثاني والحياة الأبدية. إنها محاولة لجعل هذا الكتاب مدخلاً للعقيدة المسيحية ككل، وليس الجانب منها، كما في الطبعتين الأولى والثانية.كذلك أردنا بإدخال بعض الملحقات المتعلقة بالمناولة المتواصلة ومعمودية الأطفال والتعرض لبعض القوانين المعمول بها في كرسينا الإنطاكي، أن نضفي على الكتاب الطابع التطبيقي الحياتي، والابتعاد به عن الطابع العقائدي البحت. في اللاهوت الشرقي العقيدة ملتصقة بالحياة التصاقاً.ويجدر التنويه بان مضمون الفصول الجديدة : السابع والثامن والتاسع، وموضوع المسيح الكوني في الفصل السادس قد اقتبسوا من دروس ألقاها سيادة المطران جورج خضر (متروبوليت جبيل والبترون)، في دير سيدة البلمند، صيف 1972، على فئة من الشباب جمعتهم حلقة تدريبية أقامتها حركة الشبيبة الأرثوذكسية. أما الفصل العاشر فقد أعتمد في كتابته على ما ورد في الفصل السابع من كتاب ((اللّه حي)) الذي أعدّه فريق من اللاهوتيين الأرثوذكسيين في فرنسا. والفصل العاشر هذا كتبه أحد العلمانيين الأرثوذكسيين وهو نفسه كاتب الفصل الأول من الطبعة الثانية لهذا الكتاب. وكذلك تجدر الإشارة أن الأب بولس طرزي اكن قد أعاد النظر بالقسمين الرابع (السقوط) والسادس (صورة الله في الإنسان بعد الخطيئة) من الفصل الثالث، وذلك بمناسبة صدور الطبعة الثانية للكتاب...
من يستطيع أن يتكلّم على سيرة هذا الرّجل؟ من يستطيع أن يتكلّم على كوستي بندلي؟ هذا المُربّي بكلِّ معنى الكلمة، هو المُعلّم لا بل الأب. كثيرون يتكلّمون على الكهنوت الملوكي لكن قليلون يعيشونه، كان هو الكاهنَ بامتياز. لماذا؟لأنّه كان صادقاً، إيمانُهُ كان حياتَهُ. هو المُصلّي.. هو الباحث.. لقد جمع بين العقل والقلب.. تكلّم على الأطفال لأنّه كان يحسّ معهم.. تكلّم على الشّباب لأنّه كان يعيش معهم.. لكن كيف عرف كلّ ذلك؟ كيف تممّم كلّ ذلك الإرث الضّخم الذي تَركهُ؟ أنا أقول لكم كيف: لقد حصل على نِعَمِ الله الغزيرة، لأنّه اكتسب فضيلةَ التّواضع. الكلّ يَشهدُ كيف تصرّف في الحرب الأهليّة..ويَعرفُ كيف حَرِصَ أن يبقى في بلدهِ في الأوقات العصيبة.. الكثيرون يعرفون كيف كان يعملُ عَمَلَ راعٍ في رعيّته. هو الذي أنشأ نظامَ الاِشتراكاتِ في الرّعيّة.. هو الذي شجّع السَّهراتِ والإجتماعاتِ الإنجيليّة.. كان أميناً لربِّه حتى النّهاية، مُنكبّاً على الدّراسة، ومُنكبّاً على العمل، مُجاهداً في ما بين شَعبهِ. أين الذين يُنادون بالعيشِ المُشتَرك؟ خُذُوا هذا الرَّجُلَ مِثالاً.
المطران أفرام كرياكوس
:بيان صادر عن بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس أيها الصالح. لقد أمتّ الموت وأبدت الجحيم بدفنك ذي الثلاثة الأيام. ولما نهضْتَ كما يليق بالله. أنبعتَ الحياة للذين في العالم يا يسوع ملكي” (من الخدمة الليتورجية الأرثوذكسية ليوم 12 كانون الأول) كوستي بندلي الذي تودعه كنيسة أنطاكية اليوم على رجاء القيامة هو واحدٌ
كوستي بندلي كأيقونة صامتة لمّا طُلب إليّ أن أكتب عن كوستي بندلي، تردّدت كثيرًا، ليس لأنّي لا أعرف الرجل، بل ربّما لأنّي أعرفه كثيرًا، وما أريد أن أقوله عنه يجرح تواضعه لأنّ المديح يجرح المتواضعين. لخمس وعشرين سنة مضت، وقف كوستي بندلي أمامي في القدّاس الإلهيّ في كنيسة النبي الياس – الميناء كأيقونة صامتة، ولكن معبّرة جدّاً. كنت تقرأ في وجهه كيف يصلّي الإنسان، كيف يرتّل صامتًا والفرح بادٍ على محيّاه، تفجّره دمعة تسيل بهدوء من عينه وهو شاخص إلى وجه السيّد في الأيقونة. وحيث إنّ أولاد الرعيّة والصغار منهم يجلسون أيضًا أمام الباب الملوكيّ، كان كوستي بينهم كراعٍ، قلْ كطفل منهم، لا ينزعج من حركاتهم ولا يتضايق، بل كان ذلك يزيده فرحًا لأنّهم استمراريّة الكنيسة الحيّة. وأعود إلى الوراء أيضًا يوم كنت عضوًا في فرقة القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، وكان مرشدنا.
. و ما زال أحد الأعمدة دراسة أوّلية حول المفكّر كوستي بندلي مقدمة منذ خمسينات القرن العشرين، وبحماس وإصرار قلّ نظيرهما، وغيرة على شعب يصلّي بصمت وشغف تراتيل ليتورجيّة علّمته إياها كنيسة غنيّة بتراثها وآبائها، وقف "رجل" ليقول إنّ هذا الشعب، الذي رزح لزمن طويل تحت ظروف تاريخيّة سياسيّة صعبة، تُرك وحيداً بسبب ندرة الرعاة الحقيقيّين وصراعات طبقيّة محلّيّة وعائليّة متحكّمة في توجهات الكنيسة، بقي على إيمانه الصّادق والعميق، لكن بسكون تامّ. إنّ لهذا الشعب الحقّ في أن يتعلّم عمق أرثوذكسيّته ويتذوّق بمعرفة حلاوة هذا التراث، بعد معايشته الداخليّة أو الضمنيّة له زمناً طويلاﹰﹰ. هذا الرجل "كوستي بندلي" أستاذي[1] وهبه الله من نعمه الكثير ومنها "نعمة التعليم". فاستحقّ بجدارة "لقب المعلـّم" أي معلـّم الأجيال، نظرا ً إلى ما قام به من تعليم مباشر عبر ندوات وسهرات ذات طابع دينيّ توجيهيّ ورعائيّ، وعبر ما كتبه ونشره بتوقيعه كشخص بارز له وزنه العلميّ، من حيث ثقافته الدينيّة الأرثوذكسيّة الواسعة. ولا بدّ لي أن أشير إلى تعليم غير مباشر يتمثّل بسلوكيّة هذا الرّجل وتصرّفاته ومواقفه المستوحاة من فهم عميق للكتاب المقدّس، سواء كانت مزامير أو حكمة الأمثال أو البشرى السارّة أو حكمة الأنبياء أو الآباء. فأغن...
كوستي بندلي: كتاب … بأقلام الشّباب الدكتور جان عبدالله توما قد يكون من الصعب أن تقرأ كوستي بندلي دون العودة إلى حضوره الشخصيّ في حياة الشباب والاستماع إليهم، في مشاكلهم وقضاياهم، بإصغاء قد لا يتوافر لكثيرين. ولعلّ كوستي بندلي يملك القدرة على الصّبر والأناة في حواراته مع الشّباب متجاوبًا مع معاناتـهم في تركيز واضح على رغبته في ألاّ يكسر أغصانـهم الفتيّة، بل يعمل على تشذيبها بأناة وتواضع. ربّما استمع كوستي بندلي إلى مئات، بل آلاف من الشباب يبسطون أمامه مأزقهم اليوميّ، في تعاملهم مع "السّلطة" الأبويّة منها أو الأمويّة أو المدرسيّة، أو توتّر العلاقة بين الإخوة أو الأصدقاء. وكان هو، بالمقابل، يبسط أمامهم ما تناوله من الكتاب المقدّس وحياة يسوع الشخصيّة، وما غرفه من أمّهات الكتب باللغتين العربيّة والفرنسيّة، ليطلق الشّباب من محدوديّة منطقهم ومنطقتهم أو بلدهم أو فكرهم، إلى عولمة إيجابيّة تأخذ ما هو مفيد، وترذل ما قد يسيء إلى إنسانيّة الإنسان واستعادة دوره النّورانيّ في العلاقة السّويّة القائمة على البيان والتبيين والفهم والإفهام والوضوح والإيضاح. من علائم الكتابة الموضوعيّة أن يترك الكاتب بينه وبين الموضوع مساحة، ليحافظ على الخطّ العلمي. ولعلّ كوستي بندلي
كيفَ لي وأنا الطبيبَ الذي يتعاطى ، في صِلبِ مهنتِه، شؤونَ الجسدِ وشجونَه ، وأنا الجراحَ أيضاً الذي تقتصرُ مداخلاتُه على مادةِ الجسدِ وعاهاتِه ، كيفَ لي أنْ أقاربَ موضوعاً كهذا ينظرُ إلى الإنسانِ ككائنٍ أعظمَ من جسدِه ، ويبحثُ عن اللهِ في فكر أديبٍ وفيلسوفٍ وعالم نفسٍ عظيمٍ ، دونَ أن ألهثَ مقصِّراً في إدائي، فلا أُعطي صاحبَ الحقِّ حقَّهُ ولا أتعسّرَ في سَبرِ أعماقِ نبوغِه. أخافُ بالفعل أن أقصّرَ وأتعثَّرَ. غيرَ أني سأبذلُ جهدي وأتخطّى قيودي البشريَّةَ لألامِسَ، قدرَ استطاعتي، أعماقَ هذا الفكرِ البندليِّ .
القيت هذه الكلمة في لقاء اقامه فرع الميناء لحركة الشبيبة الارثوذكسية في ١ اذار ٢٠١٤ في إحدى حصص علم النفس، أخرج ورقة بيضاء، ولطّخ نصفها بالحبر عشوائيًّا، ثمّ طواها فانطبع على نصفها الثاني الشكل الذي اتّخذه مسيل الحبر. ثمّ راح يعرضها بحالتها الجديدة على الطلاب، ويسألهم عمّا توحي به إليهم، حتّى إذا وصل إليّ، سألني بصوته الودود: Qu’est-ce que vous inspire cette figure? :فأجبته Deux formes symétriques :فامتعض... وقلّما كان يمتعض... وعلّق، بتهذيب شديد