" الفكر عطية كبرى من الله وأحد عناصر الصورة في الإنسان، لذا لا يجوز الكفر به بحجة ما قد يقع فيه من شطط وغرور"
الرجوع الى القائمة
المطران جورج خضر- ندوة حوار مع فرويد

ندوة حول مؤلفات الدكتور كوستي بندلي

جامعة القديس يوسف، كلية العلوم الانسانية
٢٠ كانون الثاني ٢٠١١

- شهادة في كوستي بندلي

المطران جورج خضر


يتحرك كوستي بندلي من الداخل الى الداخل، من غنى الى غنى. ما قلت ان في هذا انطواء لأن من انطوى لا يرى الآخرين، لا يحب. كان كوستي ما كانه الا لكونه يواجه الله اي ان وجهه هو الى وجه الله. هذا يجعل كيانه أقوى من كلمته واذا لم تلتمس كيانه لا تفهم منه شيئًا. ما سطّره يأتي من كونه يتأدب بأدب الرب وأعرف ان الشباب الذي تتلمذ عليه في مطارح العلم او في مطارح الإيمان رأى هذا وشهد له. يعني هذا انه لم يتكلم الا لأنه أصغى كثيرًا وحسم انه رفض ان تكون له كلمةٌ غيرُ نازلة عليه من فوق. قد لا يعرف كل هذا. انا أعرف ان الله يستنطقه لينطق.

معنى هذا انه مطيع للرب. لم يطمح ان يكون الأبلغ. »فذكّر انما أنت مذكّر«. أنت حافظ للتراث. صُنه فإنما انت صائغ وتجميل الذهب إبداع. كوستي يجيء من تراث القديسين الذين أطاعوا الكلمة فصاروا كلمات وهذه لا تظهر الا من سكينة. من بعدها او منها يأتي الفكر المنحوت. والنحت خدمة لأنه قدرةُ موصوليةٍ والمؤمن مكلَّف التبليغ اذ الحقيقةُ مشاركةٌ تجعلنا معًا ونتقبلها معا لأنك لا تتجلّى وحدك اذ الفكر تؤتاه من إرادة العطاء حتى اذا وصل نتحول قربانًا واحدا لله. »التي لك مما لك نقدمها لك«. كل حركة من علّم ان نعود بعضنا مع بعض الى ينبوع المعرفة المتدفق علينا من علِ.

المعرفة بمعناها الدسم التي ليست بسطَ معلومات إنْ هي الا تفجيرُ الحب. كوستي بندلي كان يعرف ان يحب اي ان يبذل نفسه فداء عن كثيرين. الآخر في تصاعده هو المبتغى. وترقي الآخر شرطه تنازلك انت اليه واذ ذاك تتركز فاذا بالمعلم والمتعلم واحد.

كان كوستي بندلي يعرف ان العلم في الملكوت سيُبطَل وان المحبة تبقى الى الأبد. لذلك سكب المحبة في التدريس ورآها طلابُه فيه. رضع مرعيوه حياته بقوله الحياة بتعبير اكاديمي او إنجيلي.

في إطار الأكاديمية والنص السهل يبسط المسيح فقط. هو وحده مصدر فكره ومداه ولا يضاف عليه شيء. ولا ينتقص من حقيقته شيء وان كان للمعارف التي تعاطاها صاحبنا كلمات فالكلمات عنده صور للإنجيل والإنجيل وجه المسيح واذ قال بولس لأهل كورنثوس: »انتم رسالتنا مكتوبةً في قلوبنا... مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي«. كان واضحا عنده ان القلب يكتب للقلب. لذلك عندما عمل كوستي في حركة الشبيبة الأرثوذكسية لم يترك فيها ألفاظا وحروفا وحسب بل بعث بأرواح من جلدها.

ارتفع عمودًا في هذا البنيان الذي شيّده الروح. من يلهمه كثيرا يعطي كثيرا. يدعم تنبيهات الروح بالجهد الموصول. لقد علمنا الله الكتاب بسبب من فضله واستكتبنا ما يريد ان يقرأه رفقاؤنا فحفظنا واياهم الايمان الذي دُفع مرة للقديسين.

لم يكن فقط ملقنا هادئا لشبابنا ومستمعا لهم. غدا مناضلا ذا حيوية كبيرة في سبيل الفقراء الذين أعزهم ربهم واستقرأهم كتابًا لهم عنيت به الإنجيل. كوستي صديق المهمَلين، المطروحين على أرصفة الدنيا. والنضال الآخر المميز عنده كان إظهار كنيسة المسيح الحية على حساب الطائفية التي تشوه طبيعة الكنيسة وتحجب بهاءها. اللافت في تأملات اهل البلد ان الفكر الأرثوذكسي المتجدد هو الذي ضرب الطائفية باسم الكنيسة وهذا ما حير الناس. وهذا ما يفسر الى حد بعيد ان الانبعاث الروحي عندنا لم يقرأه احد انكماشا او عصبية وان كوستي بندلي محب للجماعات الروحية مسيحية كانت ام غير مسيحية. لقد سطعت بجهادنا حرية أبناء الله كما تجلّت وحدة الروح بيننا وبين الكثيرين فيما انكشف بفضل النهضة ان الكنيسة التي تلد امثال كوستي بندلي ليست محنطة.

ما من شك ان كتبه تكشف فكره ولكن طوبى للذين عايشوه هؤلاء الذين عرفوا ان قلبه ولسانه وقلمه واحد. عشنا كثيرا يا كوستي بالبركات التي نزلت عليك. ما كان لك فضل الا بكشفها. بورك من أعطاك ما أعطى وبورك لنا موسم القطاف.

ندوة حول مؤلفات الدكتور كوستي بندلي
جامعة القديس يوسف، كلية العلوم الانسانية.
٢٠ كانون الثاني ٢٠١١