" الفكر عطية كبرى من الله وأحد عناصر الصورة في الإنسان، لذا لا يجوز الكفر به بحجة ما قد يقع فيه من شطط وغرور"
الإيمان والتحرير - البعد الاجتماعي للحياة الروحية
"الإنجيل على دورب العصر" – منشورات النور – الطبعة الثالثة - 1997 ملخص (…) أقدّم اليوم إلى القراء الكرام طبعة ثانية لهذا الكتيب بعد أن تحول إلى كتاب ذي حجم معقول، حُدِّثت وقائعه وأرقامه ومراجعها، مع استمرار الهاجس الأساسي الذي ألهم البحث منذ نشأته، ألا وهو التأكيد على الالتحام، الذي لا بدّ منه بنظري، بين “الحياة الروحية”، أي الاتصال الحيّ بين المؤمن وربه، وبين الالتزام الاجتماعي. علمًا بأن هذا الالتحام ين بغي أن يكون، برأيي، على شاكلة ما نؤمن به نحن المسيحيين من علاقة بين الألوهة والإنسانية في المسيح الواحد. أي أن الالتحام الذي أعنيه لا انفصال فيه، كما أنه، بالمقابل، لا يحتمل الاختلاط. فالانفصال ينفي “الحياة الروحية” عن واقع الأرض ويجعلها ضباب ية تسبح في الغيوم وتبقى دون أثر في التاريخ، كما أنه يحرم الالتزام الاجتماعي من موجّه أساسيّ له يرسم لجهاده مرماه الأخير ويحفظه من التورط في خضمّ الأهواء ويحميه من خطر تنصيب الوسائل وكأنها غايات. أما الخلط بين الروحيات والاجتماعيات، فلا يقلّ أذى عن الفصل بينهما، إذ يؤدي إلى تجاهل الخصوصيات التي تميّز الشأن الديني عن الشأن الاجتماعي، فلا يعطى هذا حقه ولا ذاك، ويذهب الأمر إلى حدّ تسخير الله نفسه، عن وعي أو غير وعي، لأغراض السياسة (رغم ما قد يعطى من تبرير لذلك عبر الادعاء بأن السياسة هي التي، في هذه الحال، تُسخّر لأغراض الله)، والا نحدار به، وهو الغاية المطلقة، إلى دور الوسيلة. طبعات أخرى: منشورات النور – الطبعة الأولى – 1982منشورات النور – الطبعة الثانية - 1995 ...
مواقفنا من أولادنا: إمتلاك أم إطلاق؟– “نحن وأولادنا”-الجزء الأول
"سلسلة نحن وأولادنا - " الجزء الأول - تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع م.م الطبعة الرابعة 2013 قد يستغرب البعض عنواناً كهذا! وهل في مواقفنا من أولادنا مشكلة؟ أليست مواقفنا بالضرورة مواقف حبّ وحنان وتضحية وتفانٍ؟ يجيب الكاتب أنّ التربية العائليّة هي أكثر بكثير من مجرّد أساليب ... إنّها قبل كل شيءٍ موقف شخصيّ يقفه الأهل من أولادهم. هذا الموقف هو الذي يحدّد نوعيّة علاقة الوالدان بالأولاد وأسلوب تصرّفهما تجاههم. فإذا كان هذا الموقف سليماً، كان للتربية حظّ كبير بأن تكون ناجحة على تنوّع الأساليب ... بل إنّ الأخطاء نفسها، التي لا بدّ أن يرتكبها كل والد أو والدة من حين إلى حين، تفقد الكثير من أهمّيتها وأذاها. أما إذا لم يتوفّر هذا الموقف السليم، فقد نفشل في مهمّتنا كوالدين، رغم حرصنا على اعتماد أفضل الوسائل التربويّة الحديثة! يضيف الكاتب: لا يكفي أن نحبّ، إنّما ينبغي أن نتساءل كيف نحبّ؟ لا يكفي أن نضحّي، إنّما ينبغي أن نتساءل كيف نضحّي، ولماذا في النهاية نضحّي؟ بعبارة أخرى يجب أن نتساءل عن نوعيّة حبّنا. فهناك حبّ يُحيي وحبّ يُميت، حبّ يُحرّر ويُطلِق وحبّ يُكبّل ويخنق. كشف لنا علم النفس الحديث أن لدينا دوافع لا شعوريّة نابعة من كوامن أنفسنا، ومتأصّلة أحياناً في رواسب طفولتنا، كثيراً ما تختلط بحبّنا لأولادنا، لتحوّله بدرجاتٍ متفاوتة عن غايته الأصليّة! فما هو نوع حبّنا، يا ترى؟ نحن نعلم أن أولادنا مجموعة متناقضات تُحيّرنا أحياناً. ولكن الحقّ يُقال بأنّنا، من جهتنا، لا نخلو من هذا التناقض ... تناقض لا نعيه في كثير من الأحوال ولكنّه يُحدّد، من حيث لا ندري، سلوكنا وتصرّفاتنا. يصف الكاتب هذا التناقض بأنّه قائم بين موقفين: أحدهما يعتبر أولادنا وسيلة والآخر يعتبرهم غاية. يتوسّع الكاتب في وصف هذين الموقفين، ويطمئننا ألا نخاف أمام هذا التناقض، إنّما يجب أن ننتبه قدر الإمكان إلى وجوده فينا، كي يتسنّى لنا مساعدة النزعة السليمة، ألا وهي اعتبار الولد غاية بحدّ ذاته، على التغلّب على النزعة المُنحرفة، التي تعتبره وسيلة. ألسنا أحوج إلى من يحدّثنا بالأحرى عن بعض الأسالي...
مدخل إلى العقيدة المسيحية
إن مقارنة سريعة لهذه الطبعة مع سابقتيها تظهر بجلاء محاولة تطوير هذا الكتاب إلى ما نعتقده الأفضل. فالطبعة الثانية مزيدة ومنقحة بالنسبة إلى الطبعة الأولى، وكذلك الطبعة الثالثة هذه. فقد أضيفت إليها فصول بكاملها تتناول المسيح الكوني والثالوث القدوس والكنيسة والمعمودية والمجيء الثاني والحياة الأبدية. إنها محاولة لجعل هذا الكتاب مدخلاً للعقيدة المسيحية ككل، وليس الجانب منها، كما في الطبعتين الأولى والثانية.كذلك أردنا بإدخال بعض الملحقات المتعلقة بالمناولة المتواصلة ومعمودية الأطفال والتعرض لبعض القوانين المعمول بها في كرسينا الإنطاكي، أن نضفي على الكتاب الطابع التطبيقي الحياتي، والابتعاد به عن الطابع العقائدي البحت. في اللاهوت الشرقي العقيدة ملتصقة بالحياة التصاقاً.ويجدر التنويه بان مضمون الفصول الجديدة : السابع والثامن والتاسع، وموضوع المسيح الكوني في الفصل السادس قد اقتبسوا من دروس ألقاها سيادة المطران جورج خضر (متروبوليت جبيل والبترون)، في دير سيدة البلمند، صيف 1972، على فئة من الشباب جمعتهم حلقة تدريبية أقامتها حركة الشبيبة الأرثوذكسية. أما الفصل العاشر فقد أعتمد في كتابته على ما ورد في الفصل السابع من كتاب ((اللّه حي)) الذي أعدّه فريق من اللاهوتيين الأرثوذكسيين في فرنسا. والفصل العاشر هذا كتبه أحد العلمانيين الأرثوذكسيين وهو نفسه كاتب الفصل الأول من الطبعة الثانية لهذا الكتاب. وكذلك تجدر الإشارة أن الأب بولس طرزي اكن قد أعاد النظر بالقسمين الرابع (السقوط) والسادس (صورة الله في الإنسان بعد الخطيئة) من الفصل الثالث، وذلك بمناسبة صدور الطبعة الثانية للكتاب...
مع تساؤلات المرشدين - قضايا وحالات تربوية
منشورات النور – الطبعة الأولى – 1991 ملخص هذا الكتاب حصيلة مداخلات بعضها شفهية وبعضها خطية قدمتها جوابًا عن تساؤلات تربوية طرحها عليّ مرشدون من حركة الشبيبة الأرثوذكسية ومدارس الأحد الأرثوذكسية من مختلف مناطق لبنان وسوريا ممن يهتمون برعاية مختلف الأعمار من الثالثة والنصف إلى حوالي العشرين ويهتمون بإعطاء الأطفال والفتية والشباب تربية دينية تقترن بتربية إنسانية شاملة فتلهمها وترتكز إليها بآن. وقد كانت مناسبة تلك المداخلات إما حلقات تدريبية تعقد لهؤلاء المرشدين أو مراسلات شخصية يجريها معي بعضهم إلهام الكتاب إنجيلي وإنسانوي بآن، والهاجسان لا يفترقان بنظرنا. وقد رأينا في تلازمهما خير سبيل لتبديد الازدواجية المصطنعة، التي لمسناها في بعض الأسئلة، بين اهتمامات “دينية” واهتمامات “حياتية”، والتي تفسر بنظرنا، إلى حد بعيد، ملل الشباب من المواضيع “الدينية” الذي يشكو منه المرشدون. فبروح الإنجيل طلبنا أن تبحث سائر المواضيع الدينية لئلا تجنح، ولو بأحسن النوايا، عن صورة الله كما تكشف لنا في يسوع المسيح، وهي صورة إله ربط ذاته بالإنسان وجعل هاجسه أن يساعده على تحقيق ملء إنسانيته، إلى صور أخرى يتشوه بها الله والإنسان معًا وتزداد خطورتها من حيث أنها تنطبع في أذهان وقلوب كائنات طرية العود تتلقاها في طور نشوئها وقد ينحرف من جراء ذلك مجمل توجهها الديني والإنساني. ولكن الإنجيل لا يلهم فقط، بنظرنا، مضمون التعاليم الدينية، ولكنه يوجّه نمط التعامل بين المربي وبين الأحداث الذين يتعامل معهم الكتاب موجّه أصلاً إلى المهتمين بالتربية المسيحية على اختلاف ميادينهم، ولكنه يهم أيضًا، برأينا، كل من كان له دور في تربية الأطفال والمراهقين والشباب من والدين ومدرّسين وعاملين في مختلف التنظيمات الشبابية، من جمعيات كشفية ونواد شبابية وما شابه ذلك، أيًا كان انتماؤهم المذهبي. إلى كل هؤلاء نرجو أن يقدم هذا الكتاب – الذي هو حصيلة اطلاعنا وخبرتنا التربويين والذي يستلهم معطيات علم النفس الحديث- بعض العون في إتمام مهمتهم الدقيقة. كما أننا نرجو أن يوافونا بما قد يثيره لديهم هذا الكتاب من ملاحظات وتساؤلات ...
مجالس الرعايا وبعض متطلبات النهضة الأنطاكية
لكي ندرك أهمية قانون مجالس الرعايا الذي أصدره المجمع المقدس الإنطاكي في 28 تموز 1973، ينبغي ان نعود الى المفهوم الكنسي الأصيل كما تسلمناه من الإنجيل ومن التراث الأرثوذكسي المترسخ في الإنجيل، فندرك عند ذاك ان القانون المذكور انما هو محاولة لاحياء هذا المفهوم الصحيح وتنقيته مما اعتراه من شوائب من جراء ظروف التاريخ وخطايا البشر. بموجب هذا المفهوم تُعتبر الكنيسة عائلة واحدة، هي عائلة المسيح. أعضاؤها كلهم اخوة في المسيح الذي يقول عنه يوحنا الإنجيلي انه "مات ليجمع أبناء الله المتفرقين الى واحد" (يوحنا 11: 51 و52 ). في هذه العائلة كل شيء يجري بالتفاهم والتشاور. صحيح أن في الكنيسة رعاة، هم المطارنة ومن ينتدبوهم من الكهنة. هؤلاء الرعاة لهم مسؤولية خاصة في الكنيسة ومقام خاص أيضاً. انهم بموجب إيماننا خلفاء المسيح والرسل فيما بيننا. بهم يُناط بشكل خاص السهر على سلامة الإيمان والعمل على نشره، كما أنهم مكلفون بإقامة الأسرار التي بها يستمر بيننا حضور المسيح المحيي. ولكنهم، مع ذلك، ليسوا وحدهم الكنيسة. الكنيسة مؤلفة منهم ومنا، من الرعاة ومن الشعب المؤمن. هذا الشعب ليس، في الرؤية الأرثوذكسية، مجرد متقبل للتعليم والإرشاد الصادرين عن الرعاة، انه أيضاً مساهم كل المساهمة في كل ما يتعلق بإيمان الكنيسة وحياتها ورسالتها. انه مناط به أن يشارك الرعاة في حفظ الإيمان ونشره وترجمته حياة وأعمالاً. يطيع الرعاة على قدر طاعتهم للإنجيل ويحاسبهم ان شذوا عنه في التعليم أو السلوك. تلك المشاركة الصميمية بين الرعاة والشعب، تعبّر عنها قاعدة ذهبية اعتمدت في كنيستنا الأرثوذكسية ألا وهي "ان لا يفعل الأخوة (أي المؤمنون) شيئاً دون الأسقف ولا يفعل الأسقف شيئاً دون الأخوة"....
تعليم الفتاة وآفاق المرأة- “تساؤلات الشباب” 4
تعليق على استقصاء بين الشباب جرّوس برسّ – الطبعة الثانية – 1998 ملخص هكذا ينطلق عملنا من عرض حصيلة استقصاء بين الشباب حول تعليم الفتاة ليتطرق، عبر تحليل مواقفهم وتصوراتهم، إلى طرح شامل لقضية المرأة كما هي مطروحة بحدة في عالم اليوم. هذا ولم نشأ أن نقتصر، في معالجة هذه القضية، على عرض لحاضر المرأة الملتبس المتأزم، بل شئنا أن نتبنى نظرة الشباب، المتوثبة بطبيعتها نحو الآتي، فتحدثنا عن “آفاق المرأة “متطلعين إلى مستقبل أفضل حري بأن يجاهد من أجله كل المخلصين، نساءً كانوا أو رجالاً، مستقبل يتحقق فيه للمرأة ملء كرامتها الإنسانية وكامل حجمها الإنساني، لا باللفظ وحسب – وما أبرع الإنسان في تسخيره، عن قصد أو غير قصد، من أجل التعمية والتمويه – ” بل بالعمل وحقاً “. إن ذلك التحول المرتجى أمر واجب وملحّ، لا إنصافاً للمرأة وحسب، بل لصالح الرجال أنفسهم الذين لن يبلغوا ملء قامتهم الإنسانية ولن يحققوا ما يصبون إليه من انتعاش ورضى إلا إذا نظروا إلى المرأة نظرة الند للند واعتبروها، لا أداة لأغراضهم، بل شريكة في مصيرهم، ولصالح المجتمع البشري برمته الذي هو بأمس الحاجة، لكي ينمو بشكل سليم متكامل متزن وينجو من تشنجاته وانحرافاته التي باتت تهدده بأفدح الأخطار، إلى إطلاق الطاقات المقيدة لنصفه النسائي وتوظيفها كما ونوعاً في عملية إصلاحه وإنقاذه. طبعات أخرى منشورات النور – الطبعة الأولى 1985...
من يستطيع أن يتكلّم على سيرة هذا الرّجل؟ من يستطيع أن يتكلّم على كوستي بندلي؟ هذا المُربّي بكلِّ معنى الكلمة، هو المُعلّم لا بل الأب. كثيرون يتكلّمون على الكهنوت الملوكي لكن قليلون يعيشونه، كان هو الكاهنَ بامتياز. لماذا؟لأنّه كان صادقاً، إيمانُهُ كان حياتَهُ. هو المُصلّي.. هو الباحث.. لقد جمع بين العقل والقلب.. تكلّم على الأطفال لأنّه كان يحسّ معهم.. تكلّم على الشّباب لأنّه كان يعيش معهم.. لكن كيف عرف كلّ ذلك؟ كيف تممّم كلّ ذلك الإرث الضّخم الذي تَركهُ؟ أنا أقول لكم كيف: لقد حصل على نِعَمِ الله الغزيرة، لأنّه اكتسب فضيلةَ التّواضع. الكلّ يَشهدُ كيف تصرّف في الحرب الأهليّة..ويَعرفُ كيف حَرِصَ أن يبقى في بلدهِ في الأوقات العصيبة.. الكثيرون يعرفون كيف كان يعملُ عَمَلَ راعٍ في رعيّته. هو الذي أنشأ نظامَ الاِشتراكاتِ في الرّعيّة.. هو الذي شجّع السَّهراتِ والإجتماعاتِ الإنجيليّة.. كان أميناً لربِّه حتى النّهاية، مُنكبّاً على الدّراسة، ومُنكبّاً على العمل، مُجاهداً في ما بين شَعبهِ. أين الذين يُنادون بالعيشِ المُشتَرك؟ خُذُوا هذا الرَّجُلَ مِثالاً.
المطران أفرام كرياكوس
كلمة الأستاذ شفيق حيدر خلال مؤتمر أدباء طرابلس الذي نطمه نادي ليونز طرابلس وجامعة سيدة اللويزة في جامعة سيدة اللويزة، برسا – الكورة نيسان 2012 لا بدّ بداءة من بوح لقد سرّني كثيرًا تكليف الصديقين الدكتور أميل يعقوب والدكتور رامي عبدالحيّ أن أتحدّث عن الصديق المربّي الدكتور كوستي بندلي الّذي له الفضل الكبير في مساعدتي شخصيًا على أن أربـو وأنمـو وأزيد. ولكنّي ومن باب المصارحة
القيت هذه الكلمة في لقاء اقامه فرع الميناء لحركة الشبيبة الارثوذكسية في ١ اذار ٢٠١٤ تغيب عنا يا معلّم، جسمًا وجسدًا، وتحضر فينا روحًا وفكرًا. ما حسبنا موتك إلاّ سفرًا في الأبديّة، أنت الذي كنت تشخص إلى المطلق صباحًا ومساءً، بين صلاة وتأمّل وتفكّر. عرفنا فيك المسيحيّ الحقّ الصالح المحبّ، فرشفنا من معين محبّتك التي لا تنضب ومن جوهر طبيعتك الملأى تواضعًا وزهدًا ومودّة: «ولتجدنّ أقرب الناس مودّةً للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانًا وأنّهم لا يستكبرون». صفات قلّ نظيرها بين البشر، تعمّقت في أغوار نفسك وتصعّدت في أوتار وجودك فتوحّد فيك اللاهوت والناسوت، فلم تعرف ازدواجيّة الشخصيّة فكان مسلكك واحدًا طيّبًا في كلّ أحوالك. من أين أتاك كلّ هذا الإخلاص فأخلصت وجهك لله ربّ العالمين، فإذا هو في قلبك المؤمن نبع نمير، ركّز فيه فصيّرك تقيًّا نقيًّا، ويا معلّم لا يبارح طيفك ذاكرتي فأستشعر أنسًا يملأ عليّ كياني. نحن طلاّبك جيل الخمسينيّات من القرن العشرين الملتهب وطنيًّا وقوميًّا عربيًّا، تذوّقنا جمالات لغة كورناي وموليير وراسين لأنّ معلّمنا كان اسمه كوستي بندلي. على أنّنا مدينون لك بأكثر من ذلك، لأنّك علّمتنا ما
القيت هذه الكلمة في لقاء اقامه فرع الميناء لحركة الشبيبة الارثوذكسية في ١ اذار ٢٠١٤ نجتمع اليوم لذكرى كوستي الحبيب، ولنسترجع معًا بعض ما اختبرناه معه من حياة. نجتمع اليوم، لنستعيد بعضًا ممّا عكسته حياة كوستي علينا من نور. نجتمع اليوم أيضًا، كيلا ننسى وعدنا الصعب له ... وعدنا الصعب لك يا كوستي. ذاك الوعد الذي قطعناه، أمام أنفسنا وأمام الله، بأن نبقى نتحرّك وأن نحافظ على الحركة فينا، وأن نبقى منحازين للحياة والحقّ وسالكين الطريق. صديقي الحبيب كوستي، في الحقيقة أنا أخجل من أن أتحدّث عنك، فأنا على يقين أنّني مهما قلت لن أفيك القليل من محبّتك وجمالك وصداقتك. صديقي، أنا أخجل من أن أتكلّم عليك بعد أن أمضينا أيّامًا طويلةً لا نتكلّم ... ولكن
. و ما زال أحد الأعمدة دراسة أوّلية حول المفكّر كوستي بندلي مقدمة منذ خمسينات القرن العشرين، وبحماس وإصرار قلّ نظيرهما، وغيرة على شعب يصلّي بصمت وشغف تراتيل ليتورجيّة علّمته إياها كنيسة غنيّة بتراثها وآبائها، وقف "رجل" ليقول إنّ هذا الشعب، الذي رزح لزمن طويل تحت ظروف تاريخيّة سياسيّة صعبة، تُرك وحيداً بسبب ندرة الرعاة الحقيقيّين وصراعات طبقيّة محلّيّة وعائليّة متحكّمة في توجهات الكنيسة، بقي على إيمانه الصّادق والعميق، لكن بسكون تامّ. إنّ لهذا الشعب الحقّ في أن يتعلّم عمق أرثوذكسيّته ويتذوّق بمعرفة حلاوة هذا التراث، بعد معايشته الداخليّة أو الضمنيّة له زمناً طويلاﹰﹰ. هذا الرجل "كوستي بندلي" أستاذي[1] وهبه الله من نعمه الكثير ومنها "نعمة التعليم". فاستحقّ بجدارة "لقب المعلـّم" أي معلـّم الأجيال، نظرا ً إلى ما قام به من تعليم مباشر عبر ندوات وسهرات ذات طابع دينيّ توجيهيّ ورعائيّ، وعبر ما كتبه ونشره بتوقيعه كشخص بارز له وزنه العلميّ، من حيث ثقافته الدينيّة الأرثوذكسيّة الواسعة. ولا بدّ لي أن أشير إلى تعليم غير مباشر يتمثّل بسلوكيّة هذا الرّجل وتصرّفاته ومواقفه المستوحاة من فهم عميق للكتاب المقدّس، سواء كانت مزامير أو حكمة الأمثال أو البشرى السارّة أو حكمة الأنبياء أو الآباء. فأغن...
"التربويّ" أو "المُربّي" صفة ملازمة لكوستي بندلي مُلازمة النعت لمنعوته، فكأنّ بينهما تماهيًا. فالرجل مُربٍّ بالفطرة، والتربية عنده حِسّ وذوق قبل أن تكون علمًا وتِقانة أكاديميّة. ذلك بأنّها موهبة خصّه اللَّه بها أو، قُلْ، هي عنده فيض ناسوت مفطور على الحبّ، مرهف، وحسّاس للإنسان، كلّ إنسان، في أحواله جميعًا. ولما جعل التربية رسالته المهنيّة
القيت هذه الكلمة في لقاء اقامه فرع الميناء لحركة الشبيبة الارثوذكسية في ١ اذار ٢٠١٤ في إحدى حصص علم النفس، أخرج ورقة بيضاء، ولطّخ نصفها بالحبر عشوائيًّا، ثمّ طواها فانطبع على نصفها الثاني الشكل الذي اتّخذه مسيل الحبر. ثمّ راح يعرضها بحالتها الجديدة على الطلاب، ويسألهم عمّا توحي به إليهم، حتّى إذا وصل إليّ، سألني بصوته الودود: Qu’est-ce que vous inspire cette figure? :فأجبته Deux formes symétriques :فامتعض... وقلّما كان يمتعض... وعلّق، بتهذيب شديد