بيان صادر عن بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
أيها الصالح. لقد أمتّ الموت وأبدت الجحيم بدفنك ذي الثلاثة الأيام. ولما نهضْتَ كما يليق بالله. أنبعتَ الحياة للذين في العالم يا يسوع ملكي” (من الخدمة الليتورجية الأرثوذكسية ليوم 12 كانون الأول)
كوستي بندلي الذي تودعه كنيسة أنطاكية اليوم على رجاء القيامة هو واحدٌ ممن ملَّكوا الرب على حياتهم وكيانِهم فأفاض لهم الحياة. والحياة مع الرب، عند من نودّعه اليوم، تجلّت إبداعاتٍ ورحيقَ أتعابٍ لمن كرّس نفسه لخدمة كنيستِه ولتربية أجيالها.
كوستي بندلي، الذي انضم اليوم إلى مصفِّ أخيه وأبينا المطران بولس بندلي، هو الذي رافَقَنا أطفالاً ويُفعاءَ وشباباً وشيوخاً ليرشدَ خطانا على درب الحبيب وليعطيَنا من خبرته التي انسكبت على صفحات قلوبنا بُعيد انسكابها على صفحات الكتب التي دونَتْها يراعُه.
تنعي بطريركية أنطاكية وسائر المشرق في هذه الفترة الميلادية المباركة واحداً ممن أخذ الوزنة وردّها أضعافاً مضاعفة وتُودِعُ سيّدَها وبارئَها ابناً باراً أودَعَها غزير أتعابه. وهي إذ تتقدم معزيةً عائلته الصغيرة تعزّي نفسها، وهي عائلته الكبيرة، بمثل هؤلاء الرجال الذين سقَوا كرمة الرب يسوع بعرق جبينهم وتذوّقوا، منْ على هذه الفانية، حلاوة العيش بظلّ سَنَاه.
المسيح قام، حقاً قام
المطران جورج خضر
“استيقظ أيها النائم وقم من بين الاموات فيضي لك المسيح”
ايها الاحبة
يذهب عنا كبيرٌ، كان كبيراً بيننا وكان كبيراً في قومه.
الامر اللافت في الرؤية عند كوستي انه لم يكن يعرف الا الله. علوم وفلسفة ومباهج فكرية اخرى ما كانت تحجب عنه انه من الله، ما علم الا الله! ولكن قصد وجوده وجهاده هو الرب يسوع، وخدمتكم بالرب…
كوستي لم يرى وجوهكم، رأى وجه المسيح في وجوهكم!
كان يقرأ وعرف الفلسفة والاداب، ولكن لما كنا نتذاكر في كل ذلك لم اكن اشعر الا انه يسعى الى المسيح، هذا كان معشوقه!
لذا اثر فينا كثيرا وفي الاجيال الصاعدة لانها عرفت ربها من خلاله. الربٌ ساكن في السماء بعد قيامته بات محجوبا عنا ولكنه بقي فينا. كوستي بندلي كان يترجم الله، تعرف الرب من كلماته وسلوكه.
كل من تفلسف كثيرا يعرف اشياء عن المسيح، ولكن لا يعرف بالحق الا من ذاقه بالحب، كوستي كان رجل حبّ، ولذا كان ينقلك الى الله، ليس فقط بما يقول ولكن بما كانه.
كوستي المتواضع ابن كنيسة الميناء كان اعظم من ذلك المفكر الذي كانه.
اراد نفسه بسيطاً محباً واحداً من هذا الشعب العادي، في هذا الميناء، ولكن الميناء رآه متصاعداً طوال حياته طائقاً الى السماء والعلى والحب.
لم يكن باستطاعتك ان تفهم هذا الرجل، الا اذا عرفته بسيطاً شفافاً خجولاً لانه كان يحترمك ولا يقتحم احداً.
لا يقتحم لان الحبّ لا يقتحم، يعطى ويسفك!
اذا فتشت عنه بعقلك وتحليلك ترى انه كان يعرف اشياء كثيرة ولكن ان رأيته بقلبك تفهم انه كان قلباً كبيراً.
ما سيبقى من كوستي، الكتب ستفنى، ما سيبقى المحبة فقط.
العلماء متواضعون، السفهاء مستكبرون!
عندما كنتُ القاه، ولقيتُه كثيراً، كان يبدو انه فهيم جدا ولما كنت اتعمّقه بتّ افهم انه طفل طيّب حلو جذّاب، يجلس مع العظماء في كنيسة الله يجالس الرسل والقديسين لانه عند الناس كان مفكرا، وعندي كان حبيبا ليسوع، هذا ما سيبقى منه، ونحن على خطاه
وهو زعيمنا في الحب وسيبقى!
شيئا كبيرا، كوستي بندلي ، وسنذكره كثيرا ان اردنا بذل نفوسنا، سنذكره متحابّين لنسير على خطاه.
يجب ان تقرأوا ما كتب كوستي لتفهموا شيئا من هذه الكنيسة.
لايجوز ان نبقى على العاطفة، هي حسنة لكن يجب ان نفهمه ونقرأه بعدما احتجب عنا،
ونحن اذا ودعناه اليوم سنعاهده اننا سنسير على خطاه …
كوستي جاء الى كنيسة قاحلة فيها طقوس فقط وجعل فيها فكر.
الحب وحده لا يكفي يجب ان تفهم من تحب،
هو قال لنا ان نحب الرب يسوع المسيح.
اقبلوا مني هذا، اننا طلبنا قداسته، لم يكن فكرا اكاديميا فقط، ولكن بات قلبا كبيرا انسانا متواضعا بسيطا كبيرا في آفاقه، عظيم التطلعات لانه اتى من يسوع المسيح.
اعرف من احبوه وكنا في هذا الميناء جماعة صغيرة حلوة سيبقى كوستي وسنتكلم عنه وننشر كلماته.
من القلائل بين من عرفته الذي كان يوحّد بين كلامه وسلوكه.
لم يكن في شخصيته انفصام، كان دماغه وسلوكه وقلبه واحد.
ليس لي ان اطوّب القديسين، ولكني افهم ان من عاش القداسة والفكر معا، كوستي كان يعقل بعقله ويحب بقلبه وهذان كانا يشكلان شخصيته الواحدة.
هناك كائن في المغترب، قال لي مرة، انا ان فكرت بكوستي بندلي اعود عن خطأي.
المتواضع لا يعرف شيئا عن ذاته
كان يكفي ان تفكر بكوستي ساعة التحربة لكي لا تخطئ!
اذا ودعناه اليوم، نعاهده ان نقتدي به لان المحبة ليست بشيء، ان لم تقودك الى السلوك.
اذهب الى ربك الذي اعد لك مكانا جميلا!
ان مسيح الله ، روح افواهنا، كما قال ارميا، كان المسيح روح فم كوستي بندلي.
والسلام.
المطران أفرام كرياكوس
من يستطيع أن يتكلّم على سيرة هذا الرّجل؟ من يستطيع أن يتكلّم على كوستي بندلي؟ هذا المُربّي بكلِّ معنى الكلمة، هو المُعلّم لا بل الأب. كثيرون يتكلّمون على الكهنوت الملوكي لكن قليلون يعيشونه، كان هو الكاهنَ بامتياز. لماذا؟لأنّه كان صادقاً، إيمانُهُ كان حياتَهُ. هو المُصلّي.. هو الباحث.. لقد جمع بين العقل والقلب.. تكلّم على الأطفال لأنّه كان يحسّ معهم.. تكلّم على الشّباب لأنّه كان يعيش معهم.. لكن كيف عرف كلّ ذلك؟ كيف تممّم كلّ ذلك الإرث الضّخم الذي تَركهُ؟ أنا أقول لكم كيف: لقد حصل على نِعَمِ الله الغزيرة، لأنّه اكتسب فضيلةَ التّواضع. الكلّ يَشهدُ كيف تصرّف في الحرب الأهليّة..ويَعرفُ كيف حَرِصَ أن يبقى في بلدهِ في الأوقات العصيبة.. الكثيرون يعرفون كيف كان يعملُعَمَلَ راعٍ في رعيّته. هو الذي أنشأ نظامَ الاِشتراكاتِ في الرّعيّة.. هو الذي شجّع السَّهراتِ والإجتماعاتِ الإنجيليّة.. كان أميناً لربِّه حتى النّهاية، مُنكبّاً على الدّراسة، ومُنكبّاً على العمل، مُجاهداً في ما بين شَعبهِ. أين الذين يُنادون بالعيشِ المُشتَرك؟ خُذُوا هذا الرَّجُلَ مِثالاً..أُحْذُوا حَذْوَهُ في مُمارسَةِ العقيدةِ القويمة.. خُذُوا نَهْجَهُ سبيلاً لإنقاذِ الوَطَن. لقد تكلّم سِفرُ العبرانيّين على الإيمان الحقيقيِّ عند الأنبياء والقدّيسين والشُّهداء. تكلّم على موسى بقولهِ: “بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّاكَبِرَأَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنًا لِابْنَةِ فِرْعَوْنَ،مُفَضِّلاً الشَّقاءَمَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى التَّمَتُّعِ الوَقْتِيِّ بِالخَطِيَّةِ،وَمُعتَبِرًا عَارَ المَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ،لأَنَّهُ نَظَرَ إلى الثَّواب.” (عب 11: 24-25-26). نعم كان بإمكان هذا الإنسان الدكتور في التّربية وفي علم النفس، كان بإمكانهِ أن يذهبَ إلى أوروبا وأمريكا ويتبوَّأَ أعلى المراكز، وَيَحصُلَ على أوفر المُقتنياتِ والثَّرَوات، لكنّه فضّلَ أن يعيش فقيراً مُتواضعاً بين شعبِه، فضّل أن يَحمِل عارَهُ، أي أن يحمِل صليبَهُ، كما يشرح آباؤنا. كُلّها فعلها بصَمتٍ، كان يتجنّب المآدب، يرفضُ حفلات التّكريم، وحتى النّدوات الشعريّة. انظُرُوا إلى كُتُبِه الغزيرة، اسمعوا أحاديثهُ، كان يُفضِّل في الاجتماعات أن يَسمَع آراءَ الآخرين قبلَ أن يُبديَ رأيَهُ، أن يسمَع صوت الآخرين لأنه كان يَعشق صوت الله، لا بل كان يَعشق إطاعة كلماتهِ المقدّسة. المُشاركة مع الآخَرين كان يُحبّها، يُحبُّ الآخَرَ أكثر من نفسِه، يتجنّب حبّ الظّهور. أيّها الأحبّاء اسمعوا، أيّها النّاس انظُروا وافقَهوا كَمِ اغتَذَيْنا بهذا الرّجل الذي يُغادِرُنا في موسم الميلاد، موسِمِ مَجيءِ ربّنا بالجسد بتواضُعٍ سحيق. إلى أين تذهَب الآن يا كوستي؟ هل تلتقي بالمطران بولس الحبيب؟ هل تلتقي بمارسيل المُجاهد؟ هل تلتقي بكلّ الإخوة الأحبّاء الكبار والصِّغارِ مِنَ الحَرَكِيِّينَ الأوفياء، الذين غادرونا بعد أن جاهَدْتَ معَهم طِيلَةَ حَياتِك؟ نِعِمّا لكَ لِكُلِّ ما فَعَلْتَهُ، لكلِّ ما عِشتَهُ، يا مَنِ آمَنْتَ بالرَّبِّ يَسُوعَ إيمانًا صادِقًا، مُتجسّداً في حَياةٍ حَقّة.. فَتَمتَّعِ الآنَ بِفَرَحِ الفِردَوس، لا بل بفرح الملكوت. كُنت أميناً على القليل فسيُقيمكَ الربُّ على الكثير. اُدخُلْ إلى فَرَحِ سَيِّدِك. آمـــــين.
سلوان موسي متروبوليت بوينس آيرس وسائر الأرجنتين
مقتطفات من رسالة المتروبوليت سلوان إلى الدكتور كوستي بندلي (رحمه الله)
أبا إسكندر، المربّي العزيز بالربّ يسوع،
سلام وفرح وامتنان بالربّ يسوع للحياة التي من لدنه!
لم تصلك رسالتي التي كتبتها لك قبل مغادرتك إلى المساكن العلوية، لذا أكتفي هنا ببعض ما جاء فيها، تاركاً للربّ يسوع أن يودعك ما كتبتُ وما لم أستطع كتابته.
(…) ولو أنه مضى زمن لم نلتقِ فيه وجهاً لوجه، فإن هذا الأمر لم يلغِ تواصلاً قائماً بأشكال أخرى وعلاقة رافقتَ فيها درب نموّي واكتشافي لذاتي وللحياة، وللخدمة، وطبعتَ فيها، من دون أن أدري، معالم قويّة ترافقني كما أشعر اليوم هنا وثمّة خاصة في رعايتي في الأرجنتين. ولقد سبق لي، عبر الهاتف، أن عبّرت لك عن هذه المعيّة الجديدة والمعزّية بآن بالنسبة لي، ولا أشكّ أنّها كذلك بالنسبة لك، وإن كانت الظروف لم تسمح بعد بأن أشاركك بعضاً من حضورك الخفيّ المرافق لي، وللآخرين أيضاً من خلال اتصالي بهم والعمل معهم.
لربّما الغربة في مكان بعيد جدّاً عن مصادر حياتي وبيئتي (…) تجعلني أكثر حاجة للتواصل مع وجود إنسانيّ يبلسم هذا الانتقال الخارجي والداخلي بآن إلى عالم وخدمة جديدة بالكليّة عليّ. هذه الغربة تدفعني بالعمق إلى التفتيش عن معيّة حقيقيّة، أجد بعضها بالمطالعة، وبعضها الآخر بالتواصل المباشر، وبعضها الآخر بالحديث أو الكتابة، وأخرى بالصلاة التي أرجو أن ألج رحابها، كما يحصل معي في إصغائي لأترابي البشر (…).
عربوناً لكلّ ما يحصل معي، أودّ أن أهديك كلّ هذه اللقاءات العجائبية التي تحصل معي، سواء في المنازل أو اللقاءات العامّة، الخلوات أو المخيّمات التي تجري في الأبرشيّة، التي تحتوي كلاً منها على نكهة فريدة، لا يعطيها إلاّ الخالق وحده، والقادر على إبداع مثل هذه الأمور. أودّ أن أهديك أمراً يليق نوعاً ما بأتعابك الكثيرة، على مرّ السنين، بالإضافة إلى كلّ ما غنمتُه من خلالك عبر أحاديث ومطالعات حفرت فيّ معالم الخدمة وكشفت لي بعضاً من سرّ الإنسان والاصغاء والحوار والتربية والالتزام والإيمان، وهي بشائر لنموّ حثيث يتطوّر على غفلة منّي، وبتعجّب أيضاً، ولكن أراقب وجوده بفرح وامتنان. هبة الاصغاء أمر عجيب بالفعل، والدخول في سرّ البشر، معيّة تسمح بها الخدمة، بالإضافة إلى فتح باب أن يتشارك الناس بالإصغاء إلى بعضهم البعض والوقوف على أمر مشترك بينهم، لربما فيها بدايات لتقريب معنى الكنيسة الحية إلى قلوب الناس، ولو كانت المسافة لا زالت بعيدة جداً. (…)
هذه الهديّة بالذات تعني بالنسبة لي أن أقدّم لك أمراً يفرحك بالحقيقة، ولا أتحدّث عن نجاح فهو ليس بيت القصيد هنا (وإذا كان هناك شيء إيجابي، فيجب أن يتزكّى مع الزمن)، إنّما هذه الهديّة هي صدى لصوت صرخ في البريّة وقد وصل صداه إلى غير مكان. لا بدّ أن لهذا الصدى تردّد مختلف عن المصدر ومتمايز عنه، بالقوة والحدّة والنبرة والمفعول، ولكن، لا يغني عن القول أنّه صدى لصوت سُمع في مكان ووصل إلى مكان آخر. إنّه ليفرحني هذا المقصد الذي لك فيه حصّة وافرة، كما ومشاركتك إيّاه (…).
فيما كتبت سابقاً أشرت إلى كلمة – عجيبة – في معرض الحديث عن اللقاءات التي تجري معي. بالفعل، أودّ لو تسجَّل لما فيها من عناصر تدفع بالمجتمعين إلى لقاء بينهم، فيه يتجلّى الحوار، الاصغاء، والوحدة بصور تدهشني وتجعلني شاهداً لأمور مستغربة. إنّها لعطيّة أن يبني المرء بين الناس، أحياناً بين أفراد العائلة الواحدة، أحياناً بين أبناء الرعية الواحدة، أو المجتمعين من مناطق مختلفة، السلام والوحدة… أو بالأحرى، أن يساهم ببناء ما يكتشفونه بين بعضهم من عناصر لقاء حيّ، فعّال، محيي. لكم أشكر الربّ على تجلّي هذا الأمر بين الجماعة وفيها. وأنا أعرف كم تقدّر أنت هذه الأمور، وأنها تفرح قلبك العطش دوماً إلى الرجاء الحيّ، وأنت دوماً متوثّب إلى تبيّن معالم هذا الرجاء الفاعل في العالم ومشاركتك إيّاه أترابك في الإيمان والانسانيّة.
لقد تبلورت في حياتك رسولية وتلمذة عكستَ من خلالهما قراءة للإنسانية وللإيمان المسيحي ولمعطيات العلم الحديث والخبرة الإنسانية بعامة، وسعيتَ أن ترى فيها بذور الحياة والرجاء والقيامة، وعملتَ على كشفها للآخرين والدخول في حوار ولقاء ومكاشفة بشأنها، ولا زلتَ تدعونا إلى أن يكون التفاعل حيّاً وبنّاءً ومحييٍ للجماعة الكنسية وللشركة الانسانيّة بعامة.
لا شك أن الأمور تتبلور بقدر ما للمعاناة من دور وقوة واحتدام، عندما تأخذ هذه مجراها الحسن. لا شك أنك انبريتَ أمامها بصدق النفس والقلب العطش والإرادة الثابتة والذهن المتيقّظ والعقل الباحث والفاحص، بالإضافة إلى نور الإيمان الكاشف أمامك معارج الأمور ووجوه الأشخاص وبساطة الخليقة وتعقيدها بآن. هذه اللمسة التي لديّ عنك يستكملها استلهامك الحياة ببساطة كلية، باحترام وتقدير لها، حيث البساطة والعجيبة سيّان، إذ هما وجهان لعنصر واحد، هو عودة الكلّ إلى الله وتجسّد الكلمة بيننا. فقد جعل الربّ هذَين البُعدَين متماشيَين ومتمايزيَن بآن، ولكن بمتناول أحبّته البشر في مسعاهم على معارج الحياة.
كلّ هذا يعني بالنسبة لي رغبة في استلهام مسار انسان اكتشف الحياة وعاشها بالجديّة والتفاني اللذَين يميّزان مسيرة عمر، مسيرتك الشاقّة والحلوة بآن. ولكم أنا اليوم بحاجة أن أضيف على ثوب النعمة الذي يوشّح خدمتي، ثوب الصلاة الإيمان الحقيقي والتواضع والمحبة والبساطة. إنّها أمور توشّح بها شفيعي، القديس سلوان الآثوسيّ، والتي تعبّر عنها إحدى طروباريّاته: “بصلواتك اقتبلت المسيح على سكّة التواضع، والروح القدس شهد في قلبك لخلاصك، لذلك تفرح كلّ الشعوب المدعوّة إلى الرجاء وتقيم تذكارك…”. هذا كلّه رغم وجود النعمة الإلهيّة في حياتي الذي جعل من خدمتي أمراً وحياة عجيبة، وحوّلتني إلى شاهد لعملها بين الناس.
إذ تكتمل الصورة أمامك عمّا يخالجني (…) أقف موقف الشاكر لشهادتك ومعيّتك وحضورك. وأودّ لو استلهمها كلّها والحصول على القوة والنور والرجاء عبرها وفيها، كما أفعل مع غير شخص، كيما أجد مرتكزات في طريق الإيمان والحياة والخدمة الحقيقية والصادقة والبنّاءة (…).
كم أودّ أن يتجدّد لقاؤنا، وأستطيع أن أشاركك أكثر معارج الحياة التي تنكشف أمامي. لا شكّ أن هذا اللقاء سيأخذ منعرجاً آخر غير الذي اعتدتُ عليه سابقاً. وأقصد بذلك الصلاة التي طلبتها منّي. إنّي لأرجو أن أتعلّم هذه الخدمة الجديدة واللقاء الجديد الذي يجمع المتفرّقين إلى واحد.
(…) لا شكّ أنك ستحمل في خلجاتك ما بدر منّي، وفي هذا استكمال لدعائك عند سيامتي أسقفاً وذهابي إلى الأرجنتين، دعاء حمل معه أدعيّة الرجاء ووعد القيامة ونوراً بهياً “لقدس مجد الله الآب الذي لا يموت، السماويّ القدّوس، الغبوط، يسوع المسيح…”، تلك الترتيلة التي طالما كنتَ تختم بها لقاءات وأحاديث في بيت الحركة، التي أحملها مع أطياب أخرى في هذا العالم.
لا شكّ أن مسيرتك حملت معها، عبر هذه السنين التي غبتُ فيها عنك، انعكاساً آخر لما أعرفه سابقاً، ومرافقتك إيّاها لن تكون سوى بهذا الاستسلام الوديع والبسيط في الصلاة الحارّة، ليبارك الربّ خطواتك على طريق القيامة.
(…)
مع كل امتناني ومحبّتي، وذكري الدائم لك ولكل أفراد العائلة في الخدمة الإلهية،
رينيه انطون – أمين عام حركة الشبيبة الأرثوذكسية
الأخوة رؤساء المراكز والفروع الحركية المحبوبين بالربّ
الأخوة أعضاء حركة الشبيبة الأرثوذكسية في الكرسيّ الأنطاكي الاحبّاء
المسيح قام،
فجر هذا اليوم افتقدنا الله، جماعةً وأشخاصاً، بانتقال الأخ المعلّم كوستي بندليّ الى الاقامة في وهج وجهه ونور قيامته….
عاش الاخ كوستي، حاملاً ما سكبه الله عليه من ضياء فكر، بمحبّة الرسل وبساطة الانجيل. جَهد كبيرنا وجاهدَ في سبيل أن يزرع الكلمة في قلوبنا لتُحجب عن عقولنا الظلمة وتُعمّد بنور الربّ. شغله أن نعشق طريق الخلاص ونرتقي لنكون شهوداً لجمال هذا الطريق في العالم. أنهض الكثيرين من قيود الجهل والميوعة واللامبالاة ليرفعنا الى قامة التزام المسيح بحرّية الأبناء. حملنا، جميعاً، صلاةً كيّ لا يُحجب عنّا فرح المُفتدين.
لهذا جئت، وفاءً للمحبّة الالهية التي تجلّت في حياته، أدعو كلاً منكم الى المشاركة في الصلاة لراحة نفسه لنصدحَ سويّةً، حيث كنّا، بصرخة الانتصار على الموت، المسيح قام حقاً قام، فتزهو روحه فرحاً.
ألا حفظكم الطفل المولود في فرح محبّته وخلاصه أبداً.
الأمين العام
++++
كوستي بندلي
اليوم أعلنك مجمع الأوفياء، بإمامة شيخهم، زعيماً قديساً في الحبّ.
اليوم سامتك الجماعة وجهاً إنجيلياً في المرايا الالهية.
الكلّ يا معلّمي كان مشاركاً في مراسم التنصيب.
كلّهم أعلنوا اشتياقهم الى الفداء. …
أتوا قياميين لُيبدعوا لوحة الصلاة،
ليمسحوا دموعهم بالرجاء الفائض من فم مَن اعتادوا التعزيّة من وجهه بينهم.
لم يكسفهم الشيخ، نظر الى السماء ورفرف الروح، من فمه، فوقهم كلمات.
رفرف الروح من فم الشيخ ليحملهم في رحلة سجود للعيّنة، الأثمن، من حبّ مسيحهم.
فانحنت الأعناق وأعلت شأن الانحناءة الأجمل في القلوب،
شأن إنحناءتك إلى حيث يشخص العلماء في الحبّ، إلى حيث يرتفع البُسطاء.
فكان أن عمّ الوفاء وخيّم طيف القيامة فعبَرت باب السماء وساد فرح الانتصار.
كوستي بندلي، أبداً ستبقى فينا منحنياً، وإن من فوق.
++++
ختاماً يا أحبّة، وبعد أن أودعناه لطف الربّ
كيف يكون وفاؤنا لكوستي بندلي باللغة والبساطة التي أحبّ:
بأن نقرأ الكتاب المقدّس يومياً سبيلاً الى اكتساب فكر الانجيل وعشق يسوع والتمثّل به.
بأن نلتزم المشاركة بالقداس الالهي دون تلكؤ مهما كانت الأسباب عدا الأسباب الصحيّة….
بأن نلتزم الصلاة الفردية اليومية ونسعى الى التزام صلوات الكنيسة الجماعية.
بأن نلتزم الأصوام ولا يكون لصومنا البُعد الحرفيّ أيّ بأن نصوم ونحن نعي أبعاد الصوم العميقة.
بأن نلتزم حياة رعيتنا ونهتمّ بشؤون أبنائها.
بأن نلتزم المشاركة في كلّ الاجتماعات واللقاءات التي تعنينا.
بأن نضع مواهبنا الشخصيّة في خدمة الأخوة دون حساب
بأن نغذّي ثقافتنا الايمانية بقراءة ما أنتجه آباء الكنيسة وبعض ما يُنتجه الفكر الايماني اليوم.
بأن نغذّي ثقافتنا العامّة بالمطالعة لنتعر ف عمّا يطرحه علينا الفكر الحديث.
بأن لا نهاب أمراً ونتحلّى بجرأة الشهادة و الفكر والطرح ونكون أبناء ثورة الانجيل.
بأن لا نهاب الدفاع عمّا نراه حقاً أياً كانت الصعوبات.
بأن نواكب أحداث مجتمعنا ومنطقتنا وعالمنا لنتبيّن مواضيع شهادتنا فيها وسبلها.
بأن نحيا بالفضائل وداعةً وصدقاً ولطفاً وأمانةً وعفّة.
بأن تتحلّى حياتنا الشخصية بالبساطة الكلّية.
بأن يفرحنا أن ننقص ليزيد المسيح.
بأن ننظّم وقتنا ونستثمره بجدّية.
بأن نُعنى بكافة جوانب حياة من نُرشده.
بأن نحبّ حقاً الفقراء والبسطاء والمظلومين.
بأن نكون دعاة عدالة من أجلهم وسعاة اليها.
بأن نمقت العنف ونكون من دعاة السبل اللاعنفية لتحقيق أيّ هدف كان.
بألا نحدّ الآفاق الايمانية بحدود.
فبعيداً عن العاطفة الانسانية، هكذا كان كوستي بندلي وهكذا شاء أن نكون وهكذا يستمرّ قينا.
+++
النائب نضال طعمة
“في ما تشهد الساحة الشرق أوسطية تكريسا للمفاهيم الفئوية، وحمل جماعات دينية، ومذهبية، ودفعها بالترغيب تارة، والترهيب طورا، إلى خطابات متطرفة، لا تخدم فكرة قيام دولة القانون والمساواة، خسرت الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية، عمودا من أعمدة الفكر المستنير، الذي طالما تحدث عن أن الناس جميعهم، بغض النظر عن انتماءاتهم ولونهم ودينهم، هم إخوة، متساوون، ومخلوقون على صورة الله ومثاله. إنه ابن ميناء طرابلس الدكتور كوستي بندلي، رحمه الله، الذي حرض مسيحي الشرق على الانخراط في العمل العام، ودعاهم إلى بناء شراكة حقيقية مع شركائهم المسلمين، ملتزمين قيم الحق والعدالة، التي أرساه الفادي، مقدما فلسفة مشرقية جديدة للاهوت التحرير، واضعا الإنجيل على دروب العصر، ترجمة محبة خادمة. نعزي كل المشرقيين الشرفاء برحيل مرجع ملهم لمسرى شهادتهم في هذا العالم، وندعو أنفسنا وكل الساعين إلى بلورة مستقبل أفضل، إلى الاهتداء بفكر كوستي بندلي الذي صاغه بأسهار وأصوام وصلوات وشهادات حية، من أجل خير الإنسان ورقيه”
القاضي طارق زيادة نائب رئيس المجلس الدستوري
بانطواء صفحة المعلم والمربي والمفكر كوستي بندلي تنطوي صفحة ناصعة من صفحات المحبة والإخلاص والتضحية وسمو الأخلاق ورفيع القيم… شخص جسّد في سلوكه مناقبية مثالية وإيماناً عميقاً وثقافة واسعة جهِد ما وسعَه الجِهدُ لنقل ذلك كله الى طلابه وتلامذته، فأكبروا فيه تلك المثل، وأحلّوه مكان الصدارة بين معلمي الأجيال، حتى صار مضرِب المثل في التفاني والدقة والانضباط.
رقيق الحاشية، تكاد قدماه لا تلامسان الأرض حتى لا يحدث جلبة ولا ضوضاء، لم يسمعه أحد يعلي نبرة صوته، ولم يسمعه أحد يوجّه ملاحظة لأحد، وجهه الصافي وابتسامته الخفيرة وسكوته المهيب يكفي بحد ذاته لإشاعة الهدوء في قاعة يتواجد فيها ستون من الطلبة، يستمعون إليه وهو يلقي عليهم دروساً في لغة فرنسية راقية تسيل من فيه كالجدول الهادئ، وهم ينصتون إليه، ومعظمهم لم يعتَد على مثل ذلك الإلقاء.
عميق قي معرفته الأدبية، بعيد الغور في العلوم الإنسانية، صاحب لغة عربية صافية لم يعتدها أساتذة الآداب الفرنسية، مما أتاح له أن يكتب أبحاثاً ودراسات مهمة في قضايا الشباب والجنس لاقت أحسن القبول.
يتركنا كوستي مودّعاً هذه الدنيا، ولم يبقَ في قلوب محبيه ومقدريه وعارفي قيمته إلا الذكريات الطيبة لمعلم مثال جسّد المحبة المسيحية فعلاً لا قولاً.
ابنُ بيت ولا أتقى، وولدُ أمٍ ولا أنقى، وشقيق أخوة ولا أوفى… في ذمة الخلد يا معلم
ريمون رزق – بيروت
مرّة أخرى رحل عملاق من الذين أطلقوا النهضة الحديثة في الكنيسة الأنطاكيّة ورسّخوها في نفوس شباب لا تُحصى أعدادهم. كان كوستي بندلي متواضعًا إلى أقصى درجات التواضع، لا تعرف إن رأيته، دون سماعه، أنّه صاحب فكر مميّز وأعمال التهمها شبابنا، وتعلّموا عليها كيف يواجهون العالم المعاصر بأمانة كلّيّة لفكر الإنجيل وتعلّق ثابت بالربّ يسوع وتجذّر في كنيسته مع انفتاح تامّ على كلّ ما أعطى الربّ أبنائه أن ينتجوه، إلى أيّ ملّة أو مشرب انتموا. علّهم …يكتشفون في طيّات هذا العالم المسيح الذي ينير كلّ إنسان أتى إلى العالم. تعلّمنا على كوستي بندلي، إلى التواضع الفكريّ والحياتيّ، ميزة الاصغاء للآخر، الذي مارسها بامتياز، مريدًا دومًا في أحاديثه أن ينطلق ممّا سمعه شخصيًّا من الشباب،
ومن التساؤلات التي يطرحونها عليه. لذلك ابتعد نهجه عن ضبابيّة بعض أهل العلم الذين يدّعون المعرفة، ليضع أصبعه على الجروح التي لا تشفيها إلاّ كلمة الحق المتجسّدة والمنحنية إلى آلامها. كان كوستي مقتنعًا أنّ الإنسان “عندما يرى أخاه إنّما يرى الربّ إلهه”، على حدّ قول الآباء شيوخ البريّة. لم أعرف إلاّ قلّة عزيزة تميّزت بمثل هذه الموهبة، إذ غالبًا ما تدغدغ الناس أفكارهم، فلا يسمعون ما يُقال لهم، لأنّهم بدل السماع يهيّئون غالبًا الجواب الذي به يعتقدون أنّهم ينتصرون على الآخر!
علّمنا كوستي إذًا الإصغاء والانتباه التام إلى قريبنا، لأنّ الله يكلّمنا أيضًا بواسطة الأخ – وكلّ إنسان هو أخينا – لأنّ المسيح يسكن فيه. في عالم يملؤه اليأس والقلق، علّمنا كوستي” أنّ الحياة ليست عبثيّة”، بل يجب أن تكون”تقدمة وخدمة ومشاركة وورشة للملكوت الآتي”. يمكن قول المزيد على كلّ ما أعطانا الله أن نكتسبه من خلال هذا الإنسان الذي اختار أن يُمحى لكي يبرز من خلال معرفته الخفرة المتواضعة نور مقتبس من النور الإلهيّ.
لكن لا يسعني، وأنا أكتب هذه الكلمات، والغصّة في قلبي، إلاّ أن ألاحظ غياب وجوه النهضة، الواحد تلو الآخر، وأطلب من المخلصين في أنطاكية، وهم الأغلبيّة الحيّة فيها، والذين يفتقدونهم، أن يترحّموا عليهم ويطلبوا من الله أن يحفظ إلى سنين عديدة المطران جورج (خضر) الذي هو آخرهم، والذي لولاه لما كانت أنطاكية على ما هي عليه من إشراقات من الروح. فليحفظه الربّ الإله، وليجعل ذكر كوستي مؤبّدًا
كريستو المر – كندا
في بدء شباب الحركة كان كوستي كلمة، كان كلمة تجاه الله، وكان تلميذاً للكلمة
هذا كان في بدء شباب، أمام الله
كلّ حبّ، فيه تجسّد، وكلّ حرّية،
به كانت الحياة تفيض، والحياة فرح الناس
النور أضاء في فمه، والعبوديّة لم تدركه…
كان إنساناً مرسلاً من الله، إسمه كوستي
هذا جاء للشهادة ليشهد للنور في زمن الموت،
لكي يؤمن الرقيقون بواسطة الكلمة في كلماته
لم يكن هو النور بل شاهدا للنور
وشهادته حقّ
كان شاهدا للنور الحقيقيّ الذي ينير كلّ إنسان آتياً إلى العالم
إلى حركته جاء، وحركته قبلته والحسد لم يقبله
وأمّا الذين قبلوه فولدهم في البهاء والحرّية، إخوة للكلمة
مولودون من الله إله الحبّ الحرّية
عُلّقَ غريبا فوق صليب الكلمة، وأحيط بالأحبّاء والأصدقاء
منهم من عُلَّقَ معه ومنهم من تمريم عند قدميه ومنهم يوحنّائّيون
بين كلماته وفي عينيه، صار الكلمة وجهاً وحلّ بيننا، ورأينا مجده،
ومن ملء الكلمة في حبّه المكسور، أخذنا، ونعمة فوق نعمة
لأنّ ناموس العبيد أرضعنا إيّاه العالم، أمّا نعمة الحرّية والحبّ الحقّ فبيسوع المسيح صارا،
وبأحد أنبيائه لنا، كوستي، تدرّبنا على الحبّ في الصليب وبهجة القيامة…
هذا الذي كان من بدء، هذا الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة في وجه كوستي
سلام عزيزي كوستي
تركتنا ولم تتركنا. ومسيحك رافقنا. والرفقة غدت حبّاً. والحبّ صار حياة.
عرفناك ولم نعرفك.
وعرفناك دليلاً إلى بابٍ. وخلف الباب حديقةٌ، والحديقة تفتيشٌ، والتفتيش فرحٌ، والفرح هواءٌ، والهواء لعبٌ، واللعب لقاءٌ، واللقاء حبٌّ، والحبّ حرّيةٌ، والحرّية حرّية.
وكنتَ تزرع. لا تقهر بذوراً بماءٍ، ولا غرسةً بنورٍ؛ وكنتَ تنام وكنتَ تقوم، ولا تعرف كيف ينمو مَنْ ينمو. وكان الصبية يفرحون، وكانت الصبايا يفرحن، والقمحُ يتلوّح، والحنونةُ الشمس تَفْرَحُ وتُفْرِحُ. وكانت صلباننا ثقيلةً، ومراهقتنا مليئة بالله وبالمسامير، وأنتَ تسمع وتشيرُ إلى الدروب. وكانت الدروب مرسومة في وجوهنا، وتنضح بياسمينٍ غريبٍ. وكان الوردُ فيها يميل، وكان ماءُ الزهر ينضجُ فوق نار الرحيل، فيبلّلُ نكهة الوليمةِ ورقصةَ النهار.
وخلف ثقوبِ الأيدي كان القمح يتكاثر، والحبُّ يطحنُ. وكنّا فُرادى، وصرنا واحداً، وصرنا كثيراً، وصرنا أصدقاء، وصرنا جسداً موجوعاً، وصرنا بشراً، فوقع الحصى من القلب، وذاب جليد الاختباء، ونبَضَ التراب عن نبعٍ عميقٍ.
واليوم نفتقد وجهك، وفي ليل القوافلِ يُفتَقَد الضوءُ، والضوءُ تحت الجلد خبيئٌ، فالشمس أشعلَتْه، وأنت وزّعته، فكثُرَ بين يديك.
واليوم نفتقد وجهك، واليوم نجدُ وجهك، فالضوء رفيقٌ، والغياب سيفٌ يجتاز ما يجتاز، والصمتُ جسرٌ في القلبِ فوق الغياب.
إنّنا اليوم قافلة أصدقاء… تراجعَ الليلُ وتفتّح النهارُ. الحديقةُ تغنّي، والشمس تشعل الضلوع، والقلب يستدفئ، وفي أشجار الوجه يستظلُّ كلُّ عصفورٍ صغيرٍ. وفي سلوان الدموع نغتسِلُ، ونفركُ كلُّ غربةٍ فينا، ليبصرَ جوعُنا خبزَ العودةِ إلى الحبيب. والحبيب قمحٌ، والحبيب نبيذٌ، والحبيب واحدٌ، والحبيبُ فيك بدا، هبوباً في أشرعة كثيرة.
إلى اللقاء كوستي إلى اللقاء. إلى اللقاء الآنَ ثمّ الآنَ ثمّ الآن. واللقاءُ غيابٌ في الحضور، واللقاءُ حضورٌ في الغياب، واللقاء رحيلٌ في الحبيب الممتدِّ على خشبة أو خشبتين، واللقاء حياةٌ في الحبيب المضيء في الكأس… في قلب الغياب.
نجيب كوتيا – لندن
أبا اسكندر
ستلتقي من كنت دائماً تطمح للقائهم. كنت دائماً تقول لي ان أوصل سلامك للمتروبوليت انطوني في إنكلترا وان اطلب منه ان يصلي لك وأنك تحب يوما ما انت تقابله. أنتما الآن على مائدة الفرح. صليا من اجلنا.
سلم على الذين سبقونا.
ربما تقول لماري ان ترتاح ولكنها تأبى فهي قائمة ابدا في الخدمة. تقول لرمزا الا تقلق فالمائدة حافلة والعجل سمين وافر.
ويا له من ميلاد مجيد تقضيه مع أحبابك ومعنا.
ها انت تبتهج مع بولس ومرسال وغلوريا ومتري واليف وايلي عبيد والياس مرقص وغبريال سعادة والبير لحام وميشال خوري وكل من شرّف حياتنا وزرع فينا بذار الأمل والصدق والعمل.
ترتلون في صمت الملائكة مرافقين رقصة الثالوث الأبدية.
ستظل تعزّينا نحن قليلي الايمان وتشددنا:
كان في الماضي بكاء كان في الماضي ألم
أشرق النور فهيا
لن ننام لن ننام
فجرنا الحلو تكحل باناشيد السلام
ربنا رب السلام
لن ننام لن ننام
الله معك انت معه انت معنا هو معنا
عمّانوئيل
نيقولا لوقا – الميناء
اليوم الأحد “بكّرنا الى القبر”، “الحجر لم يكن قد دحرج” في الحقيقة “لم نكن نحمل معا طيباً” أشعلنا بخور وشمعة ورتّلنا : لتستقم صلاتي .
“لم يكن القبر مضبوط” خالجني شعور بأن “أسرق جسد الحبيب المعلّم”، فهِم أحد الإخوة الأحبّاء ما يجول بخاطري، فقال لي بلطف: لا حاجة لذلك فالقيامة قد دُشّنت مرة واحدة ولا حاجة لأخرى. ثمّ نظرت الينا أختٌ حبيبة وقالت أيعقل أنّ القدّيسين سينتظرون أيضا المجيء الثاني؟ وهل من العدل أن يبقوا هم أيضاً في حالة الإنتظ…ار مثلنا نحن المثقلين بالخطايا؟ إلتبست عليّ الأمور وإختلطت في رأسي فبادرتُ بترتيل: “أيها النور البهي”، وإذا بنور الشمس يدركنا في المكان الذي كنا نقف فيه، حيث أننا كنا قد إخترنا مكانً في ظلِّ قبّة الكنيسة. غزا النور “جمَعْتَنُا” وعمّ في ما بيننا شعورٌ غريب. لم نقل شيئاً. حتّى أنّ أحداً منّا لم ينظر الى الآخر. ولكن جميعنا فهِمَ أنّ الحجرَ كان قدّ دُحرج، وأنّ الحبيب المعلّم لم يعد موجوداً في القبر. ولكنّه رأفةً بنا إستوقف الملاك، وطلب منه أن يختم الحجر من جدي،د لكي لا تُنَتهك حرّيتنا. كيف لا وهو كمعلّمه لا يرضى إلا أن نبقى أحراراً الى الأبد.
قررنا أنّ نتمشى في الغد على طريق البحر، ربّما يتبعنا رجلٌ لا نعرفه ويسائلنا ما لنا حزانا، ونقول له أأنت غريب عن الميناء؟ فندخل قهوة بجانب البحر لنشرب ما يدفءُ عظامنا، فيدخل معنا، وننظر اليه وإلى بعضنا البعض، لا أعلم، ربّما مستائين، فهو غريبٌ عن الميناء، وقرّرنا أن لا ننظر اليه وأنّه غير موجود.
بلطافة متجاهلةٍ استيائنا، بداْ يحدّثنا عن المحبّة، واللطافة، والعمل، وقبول الآخر، ونبذ العنف، وأنّ الجنس مع الحبّ مقّدس، وأنّ الله يحبّنا ويفتح لنا يديه، وأنّه لا يقتحمنا، وأنّه يودّ لو نناجيه حتى في عليّة… هنا تنفتح قلوبنا وبسرعة نستدير نحوه فلا نجد سوى ريح تلوّح في ستائر المقهى فنحزن من قساوتنا ونفرح بأنه معنا ولا زال يرشدنا…
- ·
الاب جورج مسوح
كوستي بندلي… القلب والعقل معاً
جريدة النهار18 كانون الأول 2013
رحل كوستي بندلي. رحل اللاهوتي الذي لم يحز شهادة في اللاهوت الا انه تفوّق على الكثيرين ممّن حازوا درجات عليا في اللاهوت الأكاديمي. وإذا كانت سائدة في التراث الأثوذكسي مقولة “اللاهوتي الحق هو الذي يصلي”، فيسعنا أن نقول، آخذين كوستي بندلي عبرة، “اللاهوتي الحق هو مَن يحيا الإنجيل، بما فيه الصلاة، مقتدياً بالمسيح يسوع في كل شيء”.
كوستي بندلي جمع القلب والعقل معاً، جاعلاً التناغم بينهما قاعدة لممارسة الإيمان. لم يجعل تضاداً ما بين “الحياة الروحية” وشؤون هذه الدنيا. أدرك أن المسيح بطبيعتين إلهية وإنسانية، فكرّس لكل منهما ما تقتضيه من واجبات والتزامات. لم يسقط في تجربة إيلاء الحياة الروحيّة الأهمية على حساب إهمال الواقع الإنساني، ولا في تجربة إيلاء الخدمة الاجتماعية الأهمية على حساب إهمال الحياة الروحية. أرانا بندلي، في حياته، أن الأمرين صنوان متلازمان، إذا سقط أحدهما سقط الآخر حتماً.
ثمة، في الممارسة، بدعتان لدى المسيحيين استطاع بندلي أن يقهرهما. البدعة الأولى هي الاهتمام بما هو لله فقط، أما الثانية فهي الاهتمام بما هو للإنسان فقط. وهاتان البدعتان هما من آثار البدعتين اللتين حاربتهما الكنيسة في القرن الخامس الميلادي، بدعة النسطوريّة التي أنكرت الطبيعة الإلهيّة للمسيح، وبدعة الطبيعة الواحدة التي أنكرت الطبيعة الإنسانية في المسيح. المسيح إله تام وإنسان تام، وهذا يعني أن التجسد الإلهي يفرض على المسيحي أن يهتمّ بأخيه الإنسان، لا أن يكتفي بالصلاة والصوم والعبادات وحسب.
قضيّة بندلي التي بذل حياته في سبيلها هي قضية الإنسان الذي أحبّه الله، الإنسان المعذَّب في الأرض، فكان مثال المثقّف المسيحي الملتزم شؤون الأرض والناس. وكانت العدالة شغله الشاغل، فوضع كتاباً مرجعاً عنوانه “نضال عنفي أو لاعنفي؟ لإحقاق العدالة”، لم يكتفِ فيه بالاستناد إلى الفكر المسيحي، بل عاد إلى المهاتما غاندي متبنياً تعاليمه في هذا الشأن. وتبنّى قضايا الشعوب المقهورة في فلسطين وأميركا اللاتينية، وسواها من البلدان التي شهدت ثورات ضد الاحتلال وضد الظلم الاجتماعي الذي مارسته الأنظمة الديكتاتورية. وفي هذا السياق أبغض الطائفية التي اعتبرها نوعاً من أنواع التمييز العنصري.
وكان كوستي بندلي رائدًا في استخدام العلوم الإنسانية، وفي مقدّمها علم النفس الذي اختص به، في سبيل تربية مسيحية حق تحارب التقوقع والانغلاق والخوف من العالم، تربية منفتحة على العصر تأخذ في الاعتبار محورية الإنسان في الكون، وعمادها الحرية والمعرفة، “تعرفون الحقّ، والحقّ يحرّركم”. كما تناول موضوع الجنس، وبخاصة في كتابه “الجنس ومعناه الإنساني” من منظور مسيحي ومن منظور علم النفس في الوقت عينه، دعا فيه إلى تربية جنسية سليمة تقضي على الجهل السائد والأفكار الخاطئة التي تحيط بهذا الموضوع.
كوستي بندلي، ابن الكنيسة الأنطاكية، ابن حركة الشبيبة الأرثوذكسية، ابن مدينة الميناء (طرابلس)، الإنسان، المعلّم، المربي، الأب، الأخ، المناضل، كان صيّاداً للناس، لبّى دعوة يسوع الذي قال للرسل: “سأجعلكم صيّادي الناس”، فترك كلّ شيء وتبعه… لكن مَن يريد أن يكون صيّاداً للناس عليه، قبل ذلك، أن يرضى بأن يصطاده يسوع، أن يكون سمكة في شباك يسوع. طوبى لك، فقد اصطادك يسوع من مينائك ليجعلك في بحره حيث ماء الحياة.
الأب جوزف عرب – الكويت
ترعبني وتقلقني جدا ً كلمة ” كبارنا يرحلون ” .
لأنهم كبار لا يرحلون ، فلم يرحل بولس الرسول ولم يرحل يوحنا الذهبي الفم ، وهل سيرحل كوستي بندلي ؟
يرحل الجسد ويبقى سبب الكبر ، ويبقى الحب .
إن رحل كبارنا فلأننا نكون نحن قد رحلنا عن أنفسنا قبل أن نرحل وقبل أن ننقل سبب الكبر … والحب .
الأب بولص خياط – كندا
عصن من اعصان الكنيسة لن يسقط ثماره باقية يانعة لتعطي المزيد مما ورثت منه ,مع القديسين ارح يارب نفس عبدك .حيث لا وجع ولا حزن ولاتنهد بل حياة ابدية لاتفني …المسيح قام .حقا قام ….مع المسيح أنت الان أيها لاخ الحبيب بالمسيح والمربي الفاضل والمرشد الامين ,كنت غصنا بكرمة الرب وها أنت الان تعلو بثمار اتعابك ووزناتك لتصل اليه وتسلمه الامانة المودعه عندك ,طوبى لك السبيل الذي سرت به طيله حياتك والذي اوصلك الى الخلاص .اذكرنا ايها الاخ الحبيب كوستي اما م عرش النعمة لنتتم التجارة بالوزنات المعطاة لنا .
نضال سلوم – الميناء
لامكان للدّموع
فالطريق مورق بالاخضرار
ترتفع ببهاء ، سلّمك التواضع
تفتح يديك والشوق كان دافقاً
فقد آن الاوان للعناق…….
سراجك عالٍ
فقد استنار الجميع
لم تكن أنت النور
كان هو ….
في العتمة كنت تقف
ترشد العطشى إلى الينبوع الحيّ
وبيدك البيضاء تزيل الغشاوة
عن عيون تائهة… حائرة
فينقشع الضباب
ووجه المصلوب عنّا
يلتمع في الأحداق
صامت
قليل الكلام
والكلام من فمك
محبة وضمير
وآفاق بعيدة تقترب
ونبات يورق
وسنابل تنهض وسلام
تغار يسارك من يمينك
تتساءل عن سرّ فرحها
رغم الدّموع المتسارعة في عينيك
لامكان للبكاء
لكنّك أفضت دموع محابرنا الزرقاء
مثلما عمّدت أوراقك البيضاء
بحبر الكتابة فكانت منارة…
عذراً ابو اسكندر إن لم أنظر مباشرة إليك
فأنا أخجل من البهاء المتسربل من عينيك
وأغار فقد أستنار زرعك فصعد يشهد للنّور….
لامكان للدّموع
فلنا فجر القيامة ….
جورج معلولي – الدكوانة
صديقنا الذي في النور أتم فصحه …وعبر
وعبرنا معه الصحارى والبحر الأحمر
لأنه سمع في قلبه نداء الحبيب
يطفر فوق التلال ويقفز فوق الجبال
أوقف نداؤه المطر ومضى الشتاء…
ظهرت الزهور في الأرض وحل موسم التغريد
فأقبل صديق النور الى النور
وقطف جميع ثماره وحملها ال بستان النور
ولما رأى أننا نجوع أوجعته أحشاؤه
كسر لنا خبز الحياة
وأخبرنا أن الأرض شفافة للنور
وأن بشريتنا مفطورة على حب النور
ولاطفنا ورأف بنا وأحبنا إخوة صغار
وأصدقاء
حتى نفهم أن حبة الخردل قد زرعت في الأرض
لتصير شجرة كبيرة تأوي إليها كل طيور السماء
فالملكوت على الأرض يبدأ
أو لا يكون
والفصح في اللحم يتم
وينتشر ضوؤه في التراب : كوستي بندلي ، شكرا
جاك انطون – الميناء
أليوم كان الوداع لأبو اسكندر، بس أكيد وداع الجسد لأنو ما ممكن هيك شخص يغيب عن بال مين عرفو
خطر عبالي اليوم اني اقول نيال يلي ما تعرف على أبو اسكندر، مشان ما يزعل، بس رجعت قلت انو خسارة كبيرة على يلي ما تعرف عليه ، لأنو كانت تسهلت علاقتو بألله. الطريق يلي كشفلنا ياها أبو اسكندر تجاه ربنا كانت الأسهل. لأنو خلانا نلمس المحبة يلي الأنسان بيفرغ ذاتو من أجل الآخرين ، من خلال حياتو اليومية على كل الصعد.
علمنا نحب من دون شرط،علمنا نهتم من دون مقابل،علمنا نسمع ونحاور بمحبة،علمنا نصبر، وعلمنا وعلمنا…….وعلمنا كيف نشعر بوجود الله قدامنا ومعنا.ما في أحلى من انو الانسان يشعر انو موجود وعندو دور ،هيدا كان هم أبو اسكندر لما يقابل أي شخص ،مهما كان كبير أو صغير (بالعمر أو الشأن) .
وأخيرا بقول هنيئا لكل واحد تعرف على أبو اسكندر وعاشره، بس المسؤولية كبيرة علينا وما لازم نخذلو.
المسيح قام
++++
حدا يا جماعة بس يشوف انو طلع الضو مابيعتل هم انو بلش النهار واجا الشغل والتعب ؟أغلبيتنا منفكر هيك ، بس أبو اسكندر كان ينطر بفارغ الصبر طلوع الضو لأنو كان يربطو بوجود الله والتكوين والقيامة ووووو…غريب هالانسان كل حواسو مربوطة بألله . نيالو قديش كان يشوف الأشيا حلوة ونافعة.
ميشال قطرة – الميناء
كنت دائماً تقلي “ربنا ياخد بيدّك”… هلق انت ماشي إيد بالإيد مع يسوع… الله معك يا حبيب القلب
جان توما – الميناء
كوستي بندلي
لم يكن كوستي ، في تلك المفكرة التي لا نعرفها،” بندا لي”، لذاته، بل “بندا لنا” إذ ترك ذاته وخرج إلينا ولم يعد. كان يفرح بما جاء في تعليم الرّسل عن حبات الحنطة المجتمعة من مختلف السّهول والأشكال والأحجام لتصير بنار الحبّ رغيف خبز واحد للجياع، زد على ذلك محبتَه للسّهول الشّاسعة المغطاة بالثّلوج، كانت له، في داخله، ينابيعُ حياة ومياهٌ تتداخل لتصير ماءا حيًّا، من يشرب منه لا يعطش إلى الأبد.
كانت تعنيه الآية القائلة:” كما تشتاق الأيل إلى ينابيع المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله”، ربّما لأنها تجمع بين الشّوق ونبع الماء، كأنّها بدايات الأشياء. إلا أن كوستي كان يرى نفسه كالأيائل يطفر في رحاب الله في تؤدة وهدأة بال، يسكن إلى خرير ماء الحياة ليخفّف من وطأة وحرقة النباتات الطفيليات التي تنمو هنا وهناك، وكان كوستي يرعاها فيما يقارع شرّها ومرّها، مميّزا بين “الشخص” و”ممارساته” باحثا عن فرا…دة المسيح في قلبه، وسط الآلهة المتعددة، يقوده إليه خيط من المودة التي أتقن كوستي أبجديتها فعلّمها ليقود الجمع بين أن وزّع عليهم من بركات السيد، سمكا وخبزا، إلى ذاك الوجه الذي صار إليه بكلّيته، وقد كان.
كنتَ إذا جالسته تتعجب من هذه القدرة العجيبة عنده على أن يواجهك دون أن يتعب، وأن يسلك معك في دروب مشاكلك ولا يكلّ. ينسى ما عانه معك حين يراك مبتسمًا، لعلّه كان يرى في محياك أخيرًا شيئا من فوق. هذا” الفوق” كان ينحاز إليه كوستي دائما، وقد جرّنا إليه بلطف، فيما كان يشرح الكتاب مع تأكيده الدّائم بأنه ليس لاهوتيا، ولكننا اكتشفنا، بحضوره ورعايته وارشاده، أن اللاهوت هو ذاك الحب المنسكب بالصلاة والتوبة ليستقر في النفوس سكونا وهدأة وقيامة.
أحبّ كوستي الدّرب الجبليّ المزنّر بأشجار الصنوبر كما أحبّ ذاك الدرب البحري في الميناء، وشتّان بين الدّربين، إلا أن كوستي ربط بينهما بخطّ بيانيّ يقوم على وحدة التراب وعلى مدن الملح التي ترتسم على الوجوه في غفلة عمر فتصبح عذبة. لعلّ الدرب كان له سياحة على درب الرّب، أسره ذلك المكان المقدس الذي لا أُنس فيه ، لكنهم هنا دون أن يظهروا، فأنت لست بحاجة لتقول للناس في عزّ الظهيرة إن الشمس ساطعة.
أخذت من كوستي المعلّم أصعب ما عنده وما أحبّ. هو ذاك الجلوس لساعات على كرسيّ للكتابة، في زمن لا يأنس إنسان لمطرح واحد، ولا يلزم مكانه للحظات. من ذاك الكرسي في مكتبه خرجت آلاف الصفحات، وآلاف الشهادات، وآلاف القارئين، وآلاف المجهولين الذين قرأوا لكوستي، وتتلمذوا على كوستي دون أن يجالسوه. طوبى لهم لأنّهم أسسوا عائلات، في الوطن والمهاجر، على ما قرأوه ولم يسمعوه ولم يروه، وبئس لنا،نحن الذين عايشناه إن لم نتقن ترجمة المؤسسين، وكوستي منهم، لهموم انطاكية ومقاربة قضاياها، بقلب المؤمن وعين الناقد.
اليوم ، بين القلب والعين نجمة دمع تقودك إلى مذود الميلاد لقيامة مرجوة
ليليان قطرميز – الميناء
منذ الوعكة الصّحّيّة الأخيرة الّتي ألمّتْ بالأخ كوستي، اضطرّ قسريّاً التّغيّب عن المشاركة في خدمة القدّاس الإلهيّ،وكنّا نفتقد حضوره بيننا. أمّا اليوم، فقد كان لغيابه معنى آخر…مكان جلوسه بات باردًا.من الصّعب استيعاب فكرة غيابه عنّا،ولكن عزاؤنا الوحيد هو أنّه ينعم بدفء اللّه وممحبّته،وأنّنا كسبنا روحًا طاهرةً نقيّةً لنا في السّماء
++++
أبو اسكندر أو الأخ كوستي، هكذا كنت تحبّ أن نناديك، فلطالما لم تعنِ لك شيئًا لا المراكز، ولا الألقاب، ولطالما آثرْتَ الظّلّ على الأضواء.
لقد قيل:”من علّمني حرفًا كنت له عبدًا”.ماذا أقول لك؟يا من أكسبتنا نهج حياة،وصقلت شخصيّتنا، وسكبت علينا من نور المسيح، فاشتعلت المحبّة في قلوبنا،وأقلَقَتْ راحتنا،وحوّلت قلوبنا الحجريّة إلى قلوب من لحمٍ ودمٍ تنبض بالحياة.
ماذا أقول لك؟يا من علّمتنا بتؤدة، وأضفيت علينا من ذاتك بخفر.كيف لك أن تقبلنا عبيدًا، وأنت لم تشأ أن تريدنا إلّا أحرارًا على صورة السّيّد؟
أمام وداعك اليوم، نقف صامتين، خاشعين، مستفقدين بركتك، رفقك، حنانك، ودعواتك.
ادخل إلى فرح ربّك الآن،وارقد بسلام. “لقد كنت أمينًا على القليل،فسأقيمك على الكثير”.
++++
“أنتم نور العالم. لاتخفى مدينة على جبل، ولا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال، بل على المنارة، فيضيء لجميع الّذين في البيت” متّى (5: 14 – 16)
شهادتي اليوم ليست للتّبجّح أو للتّفاخر، وإنّما لنعاضد بعضنا بعضًا لكي نصل إلى ملء قامة المسيح.أشعر بأنّ من واجبنا على الكنيسة أن ننشر فتاتًا من نور الأخ كوستي علّنا نصل إلى الاستفادة لما فيه خيرنا جميعًا.
أحببت أن أشرككم خبرتي المتواضعة، وفاءً لما وهبني هذا الإنسان من وزنات. كان تعرّفي على الأخ كوستي بمثابة مفترق طريق،طريق نورانيّ شعشع حياتي… وأضاءها،إذ من خلاله تعرّفت إلى اللّه الحقيقيّ، إلى اللّه المحبّة.
كانت لي نعمة أن أرشدت وإيّاه فرقة طلّابيّة هي فرقة “كوكب الصّبح”.كنت شابّةً جامعيّةً في ذلك الوقت. أقول أرشدت لأنّه كان مصرًّا على هذه التّسمية(قولاً وفعلاً)، لأنّه كان مؤمنًا بقدرات الشّباب ومواهبهم.كنت نقطة ًفي بحر معرفته الواسعة، ومع ذلك كان يشعرني أنّه بحاجة إلى هذه النّقطة.لم أحسّ يومًا بالتّهميش.كان يعتبر أنّ وجودي هو بمثابة جسر تواصل بينه وبين أعضاء الفرقة من مراهقين ومراهقات،وأنّه من الضّروريّ وجود مرشد فتيّ في فرقة طلّابيّة إذ كان يخشى أن يكون ثقيل الظّلّ على الفتيان والفتيات بسبب فارق العمر بينه وبينهم.
تدرّبت على يديه، وفقهت المعنى الحقيقيّ للإرشاد، وأدركت بأنّ المرشد الحقّ لا يُختزل بالمعلومات والمعرفة وحسن الاطّلاع،إنّما بالتّواضع والمحبّة وحسن العيش لأنّ المسيح يُعاش ولا يُعلّم.
++++
اليوم ذهبت مجموعة من أحبّاء كوستي إلى المقبرة ورتّلت له “أيّها النّور البهيّ” وهي من التّراتيل الأحبّ إلى قلبه والّتي كنّا نبدأ بها لقاءنا مساء كلّ ندوة ثلاثاء
دلال رملاوي- الميناء
استاذ كوستي
سأفتقد الى اتصالك بي في عيد ميلادي،
سأفتقد الى الكلمة الحلوة،
سأفتقد الى من يقدر الإنسان،…
سأفتقد الى من علمني محبة القريب و البعيد،
سأفتقد الى مكانك في الكنيسة،
سأفتقد الى من اعطاني السلام في المرض،
سأفتقد الى سماع اقوالك في فرقة ” بهاء الرب”،
سأفتقد الى الضحكة و التأثر،
سأفتقد الى من علمني الإلتزام و الإستمرارية.
ولكن “النور” الذي حمّلتنا إياه سنسعى و نحاول قدر المستطاع ترجمته في حياتنا المسيحية،
و ستبقى موجوداً معنا دائماً.
وداعاً ايها الحبيب ابو اسكندر…
كارول سابا – باريس
“كوستي بندلي المُلهَمُ فالمُلهِم لكثيرين ! المسيح قام – كوستي بندلي، الذي رحل عن وجوه مُحبّيه لمُلاقاة وجه الوجوه، عَلَمٌ كبيرٌ من أعلام الكنيسة الأنطاكية الروحيين، أب روحي كان له ثمار روحية كبيرة، معروفة و غير معروفة، نجمٌ سطعَ في سمائها فاستنار هو فأنار الكثيرين بأنوار المعرفة التي تنبع من قلب الله. كوستي بندلي، المُعلم الكبير، مُعلم الأجيال و المُربي الفاضل، كقسطنطين الكبير، كان له هذه الرؤية الصليبية للصليب المجيد التي تعتلي فوق سماؤنا في أزمنة مِفصلية من حياتنا لتقول لنا كما قالت لقسطنطين، “بهذه العلامة تنتصر” ! . فلاصق كوستي الصليب طيلة حياته و لم يبتعد عنه، فالصليب عندنا نحن القياميون، طريق القيامة، فكان خادما صادقا و وفيّاً و ذكياً للصليب و للمصلوب عليه و ترافق معه رباً و إلهاً على دروب الحياة منذ أن شبَّ، إلى أن شابَ و شيبته كانت شباب. لا تسع الكلمات لوصف هذا المُناضل المسيحي و للتعريف بمطارح جهاده الروحي و مُصارعاته من أجل المسيح في ميادين العلم و المعرفة و الثقافة و التربية و الفكر بكل تشعباته إلخ فكان “كوزموبوليتاً” بكل معنى الكلمة مُتعَولِماً قبل العولمة، كيف لا و الإنجيل هو أول و أكبر و أشمل عولمة في التاريخ. و ذِكرُ مُساهماته القيِّمة و الثمينة التي لا ُتحد و لا ُتحصى عملية شبه مُستحيلة وهو كان السبّاق دائما في كل شيء، لا يترك طريق و لا يسلك بها، و لا يعترف بحدود و لا يحاول تخطّيها. فلم يترك كوستي ميداناً من ميادين العلم و الفكر و المعرفة إلا و فتّش فيها عن الله و وجهه و وجه جماله مُحاولا أن يَنقل إلى الآخرين هذا الجمال الذي استشف بعضٌ منه. فكان المُثقّف و المُفكِّر و الشاعر و الكاتب و الباحث و المُستشرف و الناقد و المسرحي إلخ. لكن مُحرِّكُه الوحيد في كل هذه المَناهج و المَطارح كانت البشارة و السعي إلى إيصال كلمة الله إلى القلوب و العقول معا ًبحداثة و واقعية لا تتناقض مع بشارة الإنجيل و التقليد الأرثوذكسي المُقدس. اللاهوت عنده مُتداخل في الرعاية و التربية و الرعاية و التربية لا تصل إلى مُبتغاها إن لم تَنشدّ إلى لاهوت الصلاة الذي يبني الإدراك الروحي بلاهوت التأمل. فالمعرفة ليست الهدف، كما يسعى إلى تسويقه اليوم أتباع اللاهوت الأكاديمي، بل الهدف هو الله، و هذا ما يسعى إليه اللاهوت المُصلّي. لأنه أحب كثيرا لا بل عشق الله و بحث عنه في كل شيء أمسى كوستي بندلي المُلهَمُ المُلهِم لكثيرين، فأمسى و هو مِثال الكهنوت الملوكي، أب روحي لكثيرين ولدهم بالمسيح. فلنتأمل بسيرته و مسيرته و منهجية عمله و جهاده الروحي على دروب الرب، فهي نموذجاً لنا فيه صفاء، و ما أحوجنا اليوم إلى الصفاء الروحي و الكنسي في أنطاكية، اليوم أكثر من أي يوم مضى. أمين
فرح انطون – الميناء
بك ومعك ذقنا حلاوة يسوع ،
لقد كنت المعلّم والاخ والصديق والمرشد ،
انت الآن بجوار حبيبك تنعم بدفء محبّته وحنانه ،محبّته التي تذوّقنا حلاوتها معك ومن خلالك،
فارقد الآن بسلام يا معلّمي ومعلّم الأجيال،
وتضّرع الى الفادي الحبيب فنحن بحاجة الى صلواتك كما عوّدتنا دائما
المسيح قام حقا قام
+++
أحبّ دُعاء على قلبي تعلّمته من كوستي بندلي ” ابو اسكندر” وأردّده دائماً : “لطفك وحنانك يا رب”
فادي واكيم – الميناء
اقبلوا مني هذا إننا طلبنا قداسته،… ليس لي أن أُطوِّبَ قديسين ولكني أفهم أن ثمة من عاش القداسة والفكر معًا…. بعدما قال المطران جورج خضر في مراسم جنازة الأخ الحبيب كوستي بندلي هذا الكلام، اسمحوا لي أن أكتب هذه الكلمات: لقد ماثلتَ السلميّ في كتاباتِكَ والذهبيّ الفم في تعاليمكَ والحبيب في محبتكَ، فصِرتَ كوكبًا للمسكونة أيها الأخ الحبيب كوستي، فتشفع إلى المسيح الإله ان يُخلِّصَ نفوسنا.
بيتر بندلي – ألمانيا
الى الدكتور كوستي بندلي
قد رافقتني
انت والد الصديق الذي في داره لعبت
انت الانسان المصلي الذي علمني الصلاة
انت المرشد القائد الذي علمني الارشاد…
انت المفكر اللاهوتي الذي عرفني على الله
انت المناضل الاجتماعي الذي علمني قيمة الانسان
منك تعلمت…. تعلمت كثيرا
نظرتي للانسان و قيمته
للارشاد النفسي
للحرية الشخصية
للتعامل الاجتماعي
للعدل الاخلاقي
و تقيمة النحن
شكرا لك لكل ما اعطيتني
و رحمك الله استاذي و اخي ابو اسكندر
ألبرت دورة – الامارات
الراحل. الكبير. المتعدد. الصفات ،. كوستي. بندلي ،،،، في. ضيافة. ابنه. إسكندر في دبي ، أمضيت أياما جميلة لا تنسى ، أحسست من خلالها في لحظات صمته الليلية بانه قد… أدرك نهاية والده العملاق الفذ ، المتربع على مساحات كتبه التي سطرها بخط يده ، وبفكره الذي لا يقاس بأدب الفلسفة العميقة ،. حتى أن الكثيرين الذين عرفوا ابو إسكندر ،. تمنوا للحظة ولو حلما ، ان يكون هو والدهم ،،،،،،،،، إرث لا يقدر ولا يمنح أصلا الا لذريته الصالحة ،. التي. تسبح في بحر التواضع من ثلاثة شبان ما.زالوا يتقاسمون رحيق عسل المفردات والعبارات التي سطرها الراحل في كتبه الكثيرة المتعددة ،،،،،،، كلمة الرحيل مؤلمة ، ذلك انها تخص النهاية التي فيها تتعرى حقيقتنا وتتوسع احداق أعيننا ، لنرى بوضوح مكانان الذي قد هباء لنا بعد ان مكثنا في الارض ومشينا عليها وعبثنا يميناً ويسارا ، غافلين اننا سنعود يوما ما ضعفاء بعد قوتنا وشبابنا ،،،،،، الراحل هو بشر مثلنا ، فيه صفات المخلوق المتواضعة ، ولو قفزنا قليلا فوق المحرمات والقوانين السماوية التي لا تتغير بشكل من الأشكال ، لكنا اودعناه مكان القديسين والعليين،،،،،،،،، معاذ الله من ذلك ،،،،،،،،، إنما ابو إسكندر حالة نادرة الوجود ولن تتكرر في مءات السنوات القادمة ، ونحن سعداء لدرجة الارتقاء لأننا واكبناه طيلة مسيرة حياته الكتابية ،. فما بال شريكة حياته وأهله وأولاده ؟؟؟؟؟؟؟؟؟٠٠٠٠٠٠٠ قد تصبح مكتبته الغنية وورثه الثقافي مزار للعاشقين الكتابة ، وسماحة وجهه الطيب وبياض شعره ، ودفء صفاء روحه التي أسلمت لخالقها ، راحة بال ونفس ، لجيل يحتار في أمره ،. يستقوي باخر صيحات التكنولوجيا ،،،،، كوستي بندلي ،،،،. وقبل ان يطوي هذا العام اخر أيامه الخمسة عشر ،. أودع كل الناس والمحبين بباسمة هادية صنعت خصيصا له ، لانها تليق به وبادبه وتواضعه ،،، فيا ليتنا نشبه ، لكان عم السلام ارجاء المعمورة برمتها ،،،، كلمات كتبتها هنا من مكان إقامتي في الرويس ، تعبير بسيط عن الفقيد الغالي ، والذي هو بحكم صلة القرابة التي تجمعنا بابنه إسكندر حفظه الله وعائلته الكريمة ، وبقية أولاده غسان وضياء وعائلتهم الأحباء ،،،،، نسال له الراحة الأبدية والرحمة الإلهية وكل ما ينبع من خيرات وكنوز الدنيا ، وبياض العفة والراحة تظلل مكانه المنتقل اليه ، فهو الان في أمان الله بعد ان عادت الروح الى خالقها ،،،، فليكن ذكراه الى الأبد ،،،،،، أمين
ارجان تركيه – الميناء
أيها الأخ الحبيب كوستي، وعدتني في زيارتي الأخيرة اليك وانت طريح الفراش أنك ستستقبلني واقفاً في المرة المقبلة، قلت لي أنك ستنهض بمعونة الرب وتلقاني عند باب بيتك مرحباً بي كعادتك…
ولكنني لم أفهم عندها عن أي وقفة كنت تشير. فها أنا أراك اليوم ناهضاً بمعونة الرب بأبهى حلتك واقفاً مرحّباً عند باب الملكوت منتظراً ايانا في لقاءنا القادم…
رامي حصني – الميناء
مساء امس، وقبل أن اخلد الى النوم، كانت العاصفة الهوجاء ترجرج زجاج نافذتي وقد جنَّ الليل في الخارج
التقطت كتابه الصغير، الذي أراده خاتمةً لكتبه ال ٤٥، واستمتعت في رحلةٍ في فكره ونهجه، رحلة كلها وداعة ولطف وصراحة.
وعند الواحدة بعد نصف الليل، وهدير العاصفة قد علا خارجاً، وصلت إلى جملةٍ غمرتني بالدفء: …
“أرجو ان أكون تلميذا ليسوع المسيح، وان اتبعه في ورشة تجديد الكون التي دشّنها بصليبه وقيامته، والتي سوف يتوجها اذا ما جاء في اليوم الأخير”
كدت بعدها ان أطفئ سراجي، وقد ثقلت جفناي، إلا أنني التقطت قلمي ودونتها على ورقة صغيرة.
دوّنتها ربما لانها ذكرتني بما قاله لي قبل نحو سنتين، وطلب مني ان اعتبرها بمثابة وصيّة، وفحواها ان اتذكر دائما، الملكوت قد دشّن، وأنّ القيامة حاصلة منذ الآن، وليست مؤجّلة.
بعدها، شعرت أنّ الضياء يحوطني، ونمت.
ولم استيقظ إلّا على خبر انتقاله الى بهاء وجهه، وكنت لا أزال في مخدعي، والعاصفة قد سكنت.
عندها أدركت ان الرب قد نادى تلميذه الحبيب: ” أيها الابن الحبيب كوستي، قد أتممت الرسالة، وعملت وعلّمت الكثيرين، ادخل الى فرح ربًّك”.
كنار ارمني – الميناء
المسيح قام…اضيف علىما تفضل به ابونا دمتري ان الاخ كوستي كان لا يحب ان نناديه بالاستاذ انما يصر على كلمة أخ..خلال لقاءاتي الاسبوعية معه ضمن ارشادات الشباب كل يوم اثنين في المكتبة ..لم اكتشف فقط المرشد و المعلم و القديس ..كذلك انسانا ضليعا و موسوعة في اللغة الفرنسية..
أشرف إسحق – مصر
كان كاتبا بارعا واسلوبه يجذب الجميع ..قرأت له منذ الثمانينات وكتابه الاشهر الجنس ومعناه الانسانى وغيره دليلا على ذلك ..ارتبط بمنشورات النور فعشقناها .تعلمنا منه فى مصر .اذكرنا امام عرش النعمه وسيظل ذكرا مؤبدا لان امثالك لايبرحون الاذهان..
بشرى عكاري – عكار
المسيح قام .وكلنا ثقة أنك الآن تنعم في الفردوس مع من أحببته وكرست حياتك قربانا له ولإخوته الصغار ربنايسوع المسيح وأمه العذراء.نطلب صلواتك أمام مذبح الرب
يلمع في ذهني حدثان أولهما يوم كنت بضيافة بيت الأخ كوستي بعد يومين في البلمند كنت أقدم امتحانات إعداد الكهنة بالمراسلة وكنت متعبة جدا ولكن عندما علمت أن الأخ كوستي عنده اجتماع مع فرقة الماءالحي ذهبت بصحبته وكان لقاء مميز ففيه عشت حقا كيف يتعامل المرشد مع أبناء فرقته يسمع لهم ويحاورهم ويستفقدهم ويحترمهم ويشاركهم هواجسهم وتطلعاتهم
واحتفلنا بمناسبات الأسبوع بمائدة محبة وثانيهما في الصيف الماضي كان لنابركة كبيرةحيث قمنا بزيارةخاطفة لبيت الأخ كوستي للاطمئنان عليه فلن أنساه وهو يرسم إشارة الصليب عندما كان أبونا أرسانبوس يصلي له ولن أنسى دموعه التي سكبها ونحن نرتل مع أولادنا ترتيلة بواجب الاستهال.ومالم أستطيع أن أنساه هو البركة التي نلتها وأنا أودعه مقبلة يمينه الطاهرة .والآن وأنت تنعم ببهاء الحضرة الإلهية اطلب رحمته علينا وعلى كنيستنا وحركتنا وبلادنا
الياس فاضل
الأخ كوستي،رحمه الله،مدرسة بحدّ ذاته حمل أشياء الأرض بيساره وقلمه بيمينه ليخطّ “السبل الى الله” ونحن مدينون له بالكثير
ميكال ساسين – أنفه
المسيح قام . حقاً قام . إلى الدكتور كوستي بندلي الأخ الأكبر والمفكّر المستنير بالنعمة والمحبّ حتى الرمق الأخير لنا نحن الإخوة الأصاغر ، والمعطي القلب والروح في التدريس والبحث والكتابة والقيادة والإرشاد بخفر وتواضع وبساطة وفرح . الطيّب الذكر والفائح العطر برائحة التقوى وعبق الصلوات والمحبة العميقة .المتجذّر في فكر الرب…ّ والعارف لغزارة رحماته . والمتدفّق عطاءاً لا ينضب والمبشّر بالسلام والوداعة ، والحقيقية والعرفان . والرائد في تناقح العلم والإيمان . لك من الذي به حييت وإنوجدت وتحرّكت ،لك من الرب معاينة نور وجهه في معيّة القديسين . و لك منّا عهد حمل الأمانة ونقل المشعل المنير على دروب النهضة الأنطاكيّة إلى أجيال عديدة .آمين
هشام شماس – اميون
ليست القداسة عرضاً سحرياً …
القداسة محبة وتواضع …
القدس تسامح وإيمان …
القداسة رجاء وسلام …
القداسة نهج حياة …
الدكتور الأخ كوستي بندلي قديس من بلادي
ديانا يوسف
الله يرحمك دكتور كوستي … كنت ابتسامة بحياة كل انسان دخلت حياتو و لو لساعات بسيطة … ياما ساعدتنا و سألناك و تعبناك بهمومنا ….كنت أب النا و أخ و نصايحك بعدها ببالنا … صبرك علينا و اهتمامك اعطانا أمل كبير … رح تضل بقلوبنا وفكرك رح ينور أجيال واجيال… نحنا محظوظين انو التقينا فيك و عشنا بعصرك واكيد كتاباتك رح تعيش و تنور طرقات كتير شباب و صبايا بحاجة الها.
ادمون عقل – كندا
لم يؤمن بالنور فقط، بل بذل جهداً استثنائياً لإرشاد الآخرين الى ذلك النور، فاستحق سكنى الملكوت. كان سبباً في كسب نفوس كثيرة متاجراً بوزنته على خير وجه فدخل الى فرح الرب ليلتقيه لكثرة ما احبه..
ألفريد سعاده – اللاذقية
في خريف 1995، بعد اسابيع قليلة من مجيئي من اللاذقية للدراسة في جامعة البلمند، قررت ان ابحث عن كوستي بندلي لاتعرف على الكاتب الذي جذبني كثيرا بحكمته ومحبته التي تتسرب من سطوره..
نزلت ماشيا في يوم خريفي ممطر حتى تدبرت امري للوصول إلى طرابلس، حيث استعرت دليل الهاتف من سنترال ووجدت رقمه واتصلت وتواعدنا.
في منزله استقبلني، في مكتب غني بالكتب حتى السقف، بابسط واحب واجمل مما تخيلت..
وعندما انتسبت الى فرقة نور الصالح وتكررت زياراتي اليه ، حمل لي المسيح ببهاء وفرح.. بعيدا عن التعقد الذي بدأ بتنفيري من كنيستي.. التعقد من الحرية ومن احترام الجميع ومن اختزال الطاعة ومن ثقافة الغرب وربما من خلفيتي العائلية..
طوبى لك يا كوستي.. لان من تقت وتوقتنا اليه قد غمرك اخيرا بسعادة حضوره وبسلام نحتاجه
اسكندر جحا – كفرحزير
في هذه الليلة …قبل ان تكون بالدفئ الكلي …ارجوك ان تكتب تقريرك ..مشاهداتك …البرد قارس يا أبتاه .. يا أخيًَّ كوستي …البرد قارس في داخل النفوس …في الكنائس …في الجوامع …لن نؤخرك …فقط جولة على الأماكن التي احببت … شاهد بمدينتك ماذا يجري ..في وطنك …في سورية الأنطاكية ..في معلولا …في حلب …اكتب تقريرك وامشي ..ولا تنسه …على أعتاب الملكوت سلمه …الى الأب والسيد العفيف بولس ..شقيقك بالجسد …وعشير الأبرار ..وأب الخطأة …وسيد التواضع …وأم وأب اليتامى …سلمه تقريرك …واسأله الصلاة …هنيئا …مَن هناك على الباب سيستقبلك …!!!لا تنسنا اذا أحسست بنور بولس يدفئك …البرد قارس عندنا ..ولكن هنيئا لك …على أعتاب الملكوت ..مستقبلك ..
وانت تقرأ عن مشاعر الإخوة في ميناء طرابلس ..المشاعر المجبولة بالحب لذاك الذي استلمهم من جرن المعمودية …لا بد من دمعة تنزل على شاشة الآلة التكنولوجية التي تحملها …هناك مشاعرهم مختلفة …وبفضل سرعة نقل الخبر في أيامنا ..يكفيك دقائق معدودة لتمسح الشاشة فتلمع صورة وجهه في عينيك ….وتعرف كل ما يميز الرجل الراقد …وكأنه يرقد لساعات لتنفجر فيه الحياة من جديد فيعرفه من لم يعرفوه من قبل ..تحس انه سيخرج من الشاشة ليحدثك…لتسأله…ويدعوك الى غرفة مكتبة بيت الحركة في تلك البقعة …الجميلة من طرابلس ..وتتشوق لأن تتمشى معه بمحاذاة شاطئ الميناء …هناك حيث يتمشى الغني والفقير ..الصغير والكبير …فيتزين الشاطئ بكل أطياف المدينة المتنوعة الإستثنائية ..التي أحبّ..ولكنك من ورقة النعي التي تراها تمر على شاشتك تدرك انه يرقد الآن …وتدرك انه عليك ان تفتش عليه في كتبه وتقول في نفسك كان محظوظا من جالسه ….ثم تقرأ في اعلى الورقة …”اجذبني وراءك فنجري”( نشيد الأنشاد) …تحس فعلا بحياة ستجدد …بولادة …..الآية المختارة فيها ..حياة وطاقة متجددة ..وتتساءل كيف سيدع هؤلاء المحبّون هذا الكبير في التراب …في مدافن مار يعقوب اخي الرب في الميناء …هناك .مع أبناء الرعية الأرثوذكسية هناك ..الخاطئين منهم والأبرار …. التلاميذ …تلاميذ كوستي بندلي ..يجرون وراء من جذبهم اليه وجُذبوا ا معا يجرون ……الى يسوع !!!…ياله من موقف .مشهد الفراق ويدخل هواء البحر في رئتيهم …هواء ما بعد العاصفة …أتخايل الدمع تجمد على الخدين ..وعلى الرغم من الرجاء بالقيامة ..الرجاء الذي تلمذهم عليه … أتخايلهم يريدون ان يحتفظوا به …يقيمونه ليتمشى معهم على الشاطئ ..يجرون …يجرون ..يتناسون انهم في واقع الموت …يتناسون البرد …وكأني بالكنيسة عندما أطلقت لقب مفيضي الطيب على بعض قديسيها ..أرادت ان تحس بهم احياء في وسطها يمدونها بنعم الرب ….وكأنها رمزية أرادوها فاستجاب الرب وجعلها واقعا يفيض بالعجائب ……كم مبارك تراب ارض الميناء الذي سيتطيب عندما سينزلك أحبابك ..يا كوستي بندلي في ثراه ..كم سيتجمل الشاطئ ..وتحلو المشاوير مع صوت وقع قدميك يرافقهما وقع صوت يسوع الحبيب الذي ستتمشى هناك معه كل لحظة ..لتهمس في أذني كل تلميذ لك وكل اخ ….فهنيئا لكل مَن هناك سيتمشى !!…هنيئا لمن في الميناء …سيشتم رائحة الطيب …رائحة طيب أحلى من رائحة زهر الليمون في اول الربيع ……تعالوا الى الميناء ..في طرابلس ..فعلى الرغم من انهم استبدلوا شجر الليمون بالبنايات الشاهقة …عرجوا هناك الى مار يعقوب الروم …هناك بين أجساد الخاطئين والأبرار …بارٌ فاح عطر فضائله …ستتفتح زهراته في كل ربيع …فتش عنه هناك …رائحة ترابه تدلك عليه …استأذنه ..لتتمشى معه ..ربما يسمح لك بمشوار مع يسوع ………….
جويس خوري- طرطوس
إلى الذي علمني شو هيي التربية ….إلى الذي علمني إني امرأة و شخص كامل في عيني الرب … إلى الذي علمني إنو الجنس مو عيب و إنو طريق نحو الأبدية …. إلى الشخص الذي علمنا -مع قليلين- معنى الشخص …. إلى الأستاذ كوستي بندلي اذكرنا بصلواتك أمام السيد .
انجليك بافتوس – الميناء
كلمة متواضعة كتبتها قبل دفن الحبيب اﻷخ كوستي:” اليوم في 14-12-2013 في تمام الساعة الثالثة سيصلى على جثمان انسانا عاش حياة القداسة في هذا العالم الفاني، انسانا حمل في شخصيته كل معاني الانسانية التي نفتقدها في أيامنا هذه، انسانا متواضعا محبا لا يفكر أو يصلي في حياته، حتى عندما بكون مريضا، الا في اﻵخر، انسانا معلما مشى على خطى الرب يسوع و اقتدى به،أب حنون عطوف، زوج مخلص صادق، مرشد محفز و مشجع، معلم ذو ضمير مهني. ما عساي أتكلم عنه و أنا رأيت وجه الرب الرب فيه. في الدول العربية حسدنا على وجوده بيننا. صبتهتخطى الحدود
رامي فتالي – اللاذقية
اليوم في الوقت الذي كان يتم فيه تأبين نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا كان يجري في لبنان وداع شخص آخر ربما كثيرون لم يسمعوا به رغم أن غالباً كان له تأثير ولو غير مباشر على حياتهم، وإن كان هناك من يستحق لقب “منديلا العرب” فلا يمكن أن يكون أي أحدٍ سواه، رغم أنه هذا بحد ذاته تأطير ظالم، فهو ليس نلسون مانديلا بل هو شخص متفرد في حياته وعطائه، هو “كوستي بندلي”. كوستي بندلي يمكن التعريف به بأنه “مثقف”، ليس بمعنى الشخص الذي يعتبر نفسه نخبة تسخر من جهل من يتحاور معه، أو يعتبر علمه وثقافته برستيج يلمع به صورته الاجتماعية ويستغلها ليصل بها إلى مناصب، وبالتأكيد ليس “المثقف” الذي يحتفظ بعلمه وثقافته لنفسه بل عنده دائماً حب العطاء اللامحدود بحيث يجد عليه لزاماً أن يوصل كل ما لديه لمجتمعه، وثقافته ليس كبرياءاً وعنجهية بل تواضع جم يشعر به أنه بحاجة دائمة للتعلم، فكان المتعلم دائماً ونتيجة لذلك كان المعلم دائماً. كوستي بندلي ولد سنة 1926 في ميناء طرابلس (لبنان)، وتوفي في 12 ديسمبر 2013. تخرج من مدرسة الآداب العليا في بيروت ثم تابع تحصيله الجامعي في ليون (فرنسا). حصل على الاجازة في علم النفس وعلى الدبلوم في علم النفس التطبيقي. نال دكتوراه دولة في الفلسفة من جامعة ليون الثالثة. كان أستاذًا لعلم النفس في الجامعة اللبنانية في بيروت (1962-1964) وفي مدرسة الآداب العليا في بيروت (1962-1969). وجد كوستي أن المجتمع المشرقي يغفل عن الكثير من الأمور الضرورية والأساسية وبعضها تعتبر من التابوهات التي لا تجوز مناقشتها فيتكرس الجهل أكثر. كتب كوستي العديد من الكتب تبلغ بالعربية حوالي 40 عنواناً وفي الفرنسية حوالي ستة ومعظمها تمت إعادة طباعته عدة طبعات، بالإضافة لمئات المقالات والمحاضرات والمواضيع والندوات. من المواضيع التي أثارها كوستي بندلي في الثقافة المشرقية أسس التربية الحديثة وتفهم المشاكل النفسية عند الأطفال فيما من قبل كانت التربية لا تعني في ثقافتنا أكثر من كيفية قمع الأولاد بطريقة فعالة أكثر ووجعلهم يعطون نتائج مدرسية أفضل، أيضاً موضوع النضال اللاعنفي التي ربما كانت بعض كتبه المراجع الوحيدة بهذا الشمول في هذا الموضوع في كامل المكتبة العربية، أيضاً الموضوع الجنسي لا تابوهاً ولا إباحةً وكيفية طرح الموضوع الجنسي للأطفال وإجابة أسئلة الأولاد عنه، أيضاً موضوع ثقافة الاستهلاك التي يحاول الإعلام فرضها على مجتمعاتنا وهي لم تكن تملك أية أدوات لمقاومتها ومقاربتها بطريقة واعية. لم يتورع عن طرح موضوع علاقة الدين بالعلم وكتب كتباً ومقالات تشرح وجهة نظره بأن لا تناقض بين العلم والدين، وبالأخص بين نظرية التطور وقصص الكتاب المقدس وربما كان أول من طرح هذه الفكرة في المشرق العربي وربما ما يزال إنتاجه الأكثر تأثيراً في طرح الموضوع من تلك الزاوية. معظم كتبه تعد مراجع في عدد من المؤسسات الأكاديمية بالإضافة لكونها مراجع شخصية للكثير من العاملين في مجال التعليم والتربية. كوستي بندلي لم يكن رجل دين لكنه كان مؤمناً ولما وجد أن هناك مواضيع كثيرة غائبة في الثقافة الدينية للكنيسة الأرثوذكسية التي ينتمي إليها تصدى لهذا الجهل بجهد كبير رغم أن ليس في رصيده تحصيل أكاديمي في مجال الدين أو اللاهوت وأصدر عناوين مهمة تشرح أسس العقيدة الأرثوذكسية والخدم الكنسية، وانخرط في عمل حركة الشبيبة الأرثوذكسية وهي حركة روحية تدعو إلى نهضة دينيّة وثقافيّة وأخلاقيّة واجتماعيّة فكان من أبرز أعمدتها فكراً وثقافة. أسلوب كوستي بندلي علمي ودقيق، يستند إلى أكبر قدر ممكن من المراجع ويطرح كل فكرة من مختلف وجهات النظر ويعرض رأيه بتجرد وتواضع. نقدت كتاباته بطريقة غير لائقة في أحيان كثيرة، حتى قيل عنها بأنها هرطقات من قبل البعض، لكنه لم يحول الخلاف يوماً إلى مهاترات أو تناحرات وضيعة. ليس هناك فيما كتبه لم يعشه بنفسه، فقد مارس التربية والتعليم بنفسه لسنوات طويلة معلماً في التعليم الثانوي وعبر ندوات كثيرة مع أهالي التلاميذ في مدينة طرابلس لبنان، وهو الزوج والأب، والرجل المتواضع والمسالم والمترفع عن المناصب. مرةً حكى لي أحدهم أنه حضر محاضرة كان يلقيها كوستي بندلي حول فتنة الاستهلاك وأن أكثر ما شده للمحاصرة وأقنعه بما جاء فيها هو النظارات القديمة التي كان يرتديها بندلي والحقيبة التي يحملها والتي كانت أبعد ما تكون عن الموضة الدارجة وقتها. لمن يريد أن يعرف المزيد عن كوستي بندلي يمكنه زيارة الموقع الإلكتروني الخاص بأعماله http://costibendaly.info/ سائلين لروحه السلام والغبطة الأبدية، وأن يكون لفكره وإسهاماته أثر حقيقي في وعي شبابنا ومجتماعاتنا