" الفكر عطية كبرى من الله وأحد عناصر الصورة في الإنسان، لذا لا يجوز الكفر به بحجة ما قد يقع فيه من شطط وغرور"
الرجوع الى القائمة
الدكتور جان عبدالله توما

كوستي بندلي: كتاببأقلام الشّباب


الدكتور جان عبدالله توما

قد يكون من الصعب أن تقرأ كوستي بندلي دون العودة إلى حضوره الشخصيّ في حياة الشباب والاستماع إليهم، في مشاكلهم وقضاياهم، بإصغاء قد لا يتوافر لكثيرين. ولعلّ كوستي بندلي يملك القدرة على الصّبر والأناة في حواراته مع الشّباب متجاوبًا مع معاناتـهم في تركيز واضح على رغبته في ألاّ يكسر أغصانـهم الفتيّة، بل يعمل على تشذيبها بأناة وتواضع.

ربّما استمع كوستي بندلي إلى مئات، بل آلاف من الشباب يبسطون أمامه مأزقهم اليوميّ، في تعاملهم مع "السّلطة" الأبويّة منها أو الأمويّة أو المدرسيّة، أو توتّر العلاقة بين الإخوة أو الأصدقاء. وكان هو، بالمقابل، يبسط أمامهم ما تناوله من الكتاب المقدّس وحياة يسوع الشخصيّة، وما غرفه من أمّهات الكتب باللغتين العربيّة والفرنسيّة، ليطلق الشّباب من محدوديّة منطقهم ومنطقتهم أو بلدهم أو فكرهم، إلى عولمة إيجابيّة تأخذ ما هو مفيد، وترذل ما قد يسيء إلى إنسانيّة الإنسان واستعادة دوره النّورانيّ في العلاقة السّويّة القائمة على البيان والتبيين والفهم والإفهام والوضوح والإيضاح.

من علائم الكتابة الموضوعيّة أن يترك الكاتب بينه وبين الموضوع مساحة، ليحافظ على الخطّ العلمي. ولعلّ كوستي بندلي كان هو الكتاب نفسه تماشياَ مع دعوة المستنيرين إلى أن "نأكل" الكتاب المقدّس، لنصير نحن الكتاب المقدّس. هذا لا يعني الخروج من العلميّة إلى الذاتيّة في كتابات كوستي بندلي، بل استطاع أن يبتكر كتابة جديدة توازن بين الإضاءة على الموضوع ومدّه بما تمليه آراؤه المستندة بآن إلى ثبت المراجع العلميّة الهائلة، التي يعود إليها كوستي بندلي ويصرّ على إثباتـها في فهارس كتبه، حتى لَتصير هذه الفهارس أقساماً قائمة بحدّ ذاتـها، يقوم هو بتوليفة لها يضمّنها آراءه، لابتكار فكر مسيحيّ معاصر ينبري لمعالجة القضايا المصيريّة المطروحة، في غياب مواقف واضحة من الكنيسة الرسميّة، ما حدا بالمنابر الفكريّة على اختلاف هويّاتـها إلى اعتبار فكر كوستي بندلي فكراً مسيحيًّا يطارح المسائل العلميّة والتربويّة والفلسفيّة، في محاولة لإبراز كنوز هذا الفكر مساءلةً لكلّ القضايا المجتمعيّة التي واجهت الإنسان المسيحيّ.

لذا فإنّ قارىء كتابات كوستي بندلي يسجّل له هذه القدرة على استيعاب التراث المسيحيّ، وفق عصرنة تفسيريّة نابعة من الكتاب الإلهيّ نفسه وعبر عيش "التسليم" أو "التقليد” الّذي وصل من الرّسل في صيرورة معيوشة لها لا تلغي الأصالة وفي الوقت ذاته لا تنفي المعاصرة. وفي هذا الموقف مصالحة تاريخيّة بين الفكر الدينيّ والفكر العلميّ، بين الأصالة والحداثة ، بمعنى أن الاثنين يتقاطعان في نقاط عدّة، وقد لا يلتقيان في نقاط أخرى. غير أنّ هذا التناقض الإيجابيّ يبقى مُلهَماً ومُلهِماً نتيجة تنازل الإله ليصير إنساناً، وبدعوته هذا الأخير ليصير إلهاً وفق مسيرة عاشها السيّد المسيح، وكتب بدمه الصفحات النورانيّة لإمكان تجلّي الانسان في حضرة الله الدائمة.

هذه الإشكاليّة، الّتي يقع فيها معظم الكتّاب المعاصرين فيجنحون إلى الإلحاد أو يغورون في إيمان ملتبس، لم يقع فيها كوستي بندلي لسببين: أوّلهما أنّ كوستي بندلي كشف وجه مسيح الإنجيل بمعاينة وصلوات وأصوام، وثانيهما لالتصاقه الدائم بحيوية الشّباب وللعيش بمعيتهم ليكون على بيّنة من بوصلة التغيير الآتي.

عرف كوستي بندلي نبض التمرّد عند الناشئة، وعرف أيضاً أنّ الراغب في اكتشاف الأبعاد عليه أن يثبّت عدسة مرصده على أبناء الحياة، أولئك الذين لا يستمع إليهم أحد، وهم يعيشون في تنافر وتفارز مع الأهل أو المربّين، فعمد كوستي بندلي إلى محاورة هؤلاء الأحداث"لأن كلمة الله ثابتة" فيهم، فبلور عدسة مرصده، وقاد كثيرين منهم إلى منابع الحياة، وإلى أن ينهلوا من الماء الحيّ الذي يضيف على روتين حياتـهم حيويّة، فينقلب يأسهم إلى رجاء وقلقهم إلى أمل.

كلّ كتابة نصّها كوستي بندلي إنّما وردت من منابع هذه الشبابيّة التي لا تتعب ولا تكلّ في بحثها عن غدها. يعيش كوستي بندلي التّوتر الذي يشدّ قوس الناشئة إلى البحث عن أجوبة، فلا يقعون عليها، ويصوّرها عطشى "كما يشتاق الأيّل إلى منابع المياه هكذا تشتاق إليك نفسي يا الله"، فيجد الشّاب نفسه مقوداً بعد انفتاح إلى ذاك الّذي من عنده تتساقط المواهب وله ترتفع الأدعية والصلوات.

لذلك اشتغل كوستي بندلي، في كتبه، على علاقة الإنسان بالله، ورآها لا تكتمل إلا بفهم ما يجري في المحيط التقديسيّ، بمعنى ما هو القدّاس الإلهيّ؟ ما هي مظاهر التديّن والتعصّب؟ أين حدود الشريعة؟ من يقيم السّلطة في هذا العالم؟ مفهوم الجنس الإنسانيّ ومعناه؟ من هو الله؟ المُحبّ؟ الدركيّ؟ إله الإلحاد المعاصر؟ كيف السبيل إلى الله؟ كيف ينعكس إيماننا على علاقتنا بالأهل؟ بالأولاد؟ .... ينقل كوستي بندلي تساؤلات الشباب إلى أوراق كتبه، يعالجها، ينقل إجابات الكتاب المقدّس عليها ويسهر إلى أن تأتي واضحة، لا تقبل التأويل بل الحوار حول طريقة التزام هذه الاجابات في الحياة اليوميّة دون قوانين جامدة وقوالب جاهزة. كوستي بندلي يترك لك الحرّية في الاختيار حتّى وهو يجاوبك شفويًّا أو كتابة، ليؤكّد حرّيّة أبناء الله التي أعطاها الرّب لهم ليكونوا أحراراً، ولتكون لهم الحياة الفضلى.

لقد أغنى كوستي بندلي المكتبة العربيّة بعنوانات لم تكن متوافرة قبلاً، متجاسرًا على طرح قضايا كانت من المحرّمات. فإذا أخذنا كتابه "الجنس ومعناه الإنساني"، وعينا أنّ العنوان، بحدّ ذاته، كان صدمة للمجتمع المغلق، فكيف بقراءته؟! والطّريف أنّ هذا الكتاب صار كتاباً عائليًّا يطرح القضيّة الشائكة في العالم العربيّ بصوت هادىء، يعرف كيف يخاطب اللامتحاورين في هذا الموضوع "التابو".كما كان كوستي بندلي من الأوائل الذين أطلقوا صرخةً لاطائفيّة يوم شبحُ الطائفيّة طغى وبغى وتكبّر وتجبّر. ولعلّه كان من الرّواد الذين بحثوا علناً في العلاقة الأسرويّة فاضحاً برويّة هفوات الأهل وسقطاتـهم وتمرّد الأبناء لبناء شخصيّاتـهم السويّة، فقدّم بذلك خدمة جليلة لمجتمع ذكوريّ أبويّ سلطويّ، مفجّرًا إياه بنورانيّة من الداخل لقيام الكنائس الصغيرة في العوائل المستقيمة الرأي وغيرها. من هنا، ترى أن جمهور كوستي بندلي ينتسب إلى مختلف المناطق والشرائح والمدارس والجامعات ومنابر الفكر، لأنّ آراءه لم تبقَ حكراً عليه ، إنّما صارت مدماكاً يبني عليه كثيرون طلاّتـهم الثقافيّة والفكريّة والتربويّة.

كوستي بندلي مدرسة! نعم. تيار فكري! نعم. ففكره منثور في سلسلة كتبه الّتي يتّضح لقارئـها أنّـها تقوم على خطّ بيانيّ واحد يستهدف ملء الإنسان وقامته وتقديس كيانه بالعودة إلى ذاك الّذي من لدنه المواهب والفرادات. من أراد التلمذة على كوستي بندلي، لن يجد صعوبة. ففكره قائم على إسقاط الحجب لملاقاة وجه المسيح، ومن خلاله وجوه النّاس لتقبّل شمسُ الحقيقة وجوهَ المحبّين.


كتبه

× مع الشّباب والأهل والمرشدين:

* مواقف الآباء ومشاكل البنين، الطبعة الأولى، 1981، منشورات النّور.

* مع تساؤلات الشّباب، الطبعة الأولى، 1973، و ط2، 1980، منشورات النّور.

* خلاف الأهل والأبناء -تساؤلات الشّباب-2- منشورات النّور، 1992.

* الحرّية والشّباب على ضوء الماساة اللبنانية -3- منشورات النّور،1982 .

* ندوات شبابيّة حول الصّداقة والأسرة والخجل -تساؤلات الشّباب-6-، 1981، منشورات النور.

* مع تساؤلات المرشدين: قضايا وحالات تربوية، (على الغلاف1991)، (في الداخل 1990)، ط1، منشورات النّور.

* هواجس شبابيّة حول الإسرة والحبّ، الطبعة الثانية، 1998، جرّوس برس.

* فُتات من نور، 2001، منشورات النّور.

× سلسلة على دروب الإنجيل وقضايا عامّة:

* موقف إيماني من الطائفيّة -الانجيل على دروب العصر-3-، 1983، منشورات النّور.

* الجسد والعفّة والحبّ -الانجيل على دروب العصر-5- (مجموعة من المؤلفين)،1983 ، منشورات النّور.

* صورة المسيح في الزواج والأسرة -الانجيل على دروب العصر-6-، 1983، منشورات النّور.

* إسرائيل بين الدعوة والرّفض -الانجيل على دروب العصر-7-، 1985، منشورات النّور.

* نضال عنفي أو لاعنفي؟ لإحقاق العدالة، -الانجيل على دروب العصر-9- ، الطبعة الأولى، 1988، منشورات النّور.

* الله والشّر والمصير، -الانجيل على دروب العصر-12-، 1993، منشورات النّور.

* الإيمان والتحرير البعد الاجتماعيّ للحياة الرّوحيّة، -الانجيل على دروب العصر-13- ، 1997، منشورات النّور.

* الإيمان ومجتمع الاستهلاك، الطبعة الأولى، 1982.

* النضال اللاعنفيّ: ملامح وصور، 2000، الطبعة الأولى، منشورات النّور.

* فتنة الاستهلاك أم فرح المشاركة؟ الطبعة الأولى، 2001، تعاونيّة النّور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع.

* الطائفيّة، الطبعة الأولى، 1969، وموقف إيمانيّ من الطائفيّة، الطبعة الثانية، 2005، تعاونيّة النّور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع.

* لماذا أتلهف كمسيحيّ إلى ولادة لبنان الجديد؟ نشرته حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة - فرع الميناء، 1976.

× تعرّف إلى كنيستك و"القديسون":

* العائلة كنيسة (مع بول افدوكيموف)، تعرّف إلى كنيستك، 1982، منشورات النّور.

* يوحنا المعمدان، سلسلة القديسون-2-، 1982، منشورات النّور.

× محاورة الفكر العالميّ:

* الله والتّطور، ط2، 1974، منشورات النّور.

* إله الإلحاد المعاصر، الطبعة الأولى، 1968، منشورات النّور.

* السّبل إلى الله، الطبعة الأولى، 1974 ، الطبعة الثالثة، 1980، والطبعة الرابعة 1986، منشورات النّور.

× في شرح العقيدة والرعاية:

* مدخل إلى العقيدة المسيحيّة، الطبعة الأولى 1976 والطبعة الثانية ( كوستي بندلي) 1973، والطبعة الثالثة (مع مجموعة مؤلفين) 1982، منشورات النّور.

* ألوهة المسيح، الطبعة الأولى، 1983، منشورات النور.

* مدخل إلى القدّاس الإلهيّ، الطبعة الثانية، 1975، والطبعة الرابعة 1995، منشورات النّور.

* أمثال الملكوت -دراسات كتابيّة-1-، 1983، منشورات النّور.

* مجالس الرعايا وبعض متطلبات النّهضة الإنطاكيّة، 1974، منشورات النّور.

× قضايا الجنس:

* الجنس ومعناه الإنسانيّ، الطبعة الأولى 1971، الطبعة الثانية 1980، الطبعة الرابعة 1995، منشورات النّور.

* الجنس في أنواره وظلاله: رؤية إنسانيّة وإيمانيّة، 1999، منشورات النّور.

× قضايا المرأة:

* المرأة في موقعها ومرتجاها، الطبعة الأولى، 1999، منشورات النّور.

* تعليم الفتاة وآفاق المرأة،1998 ، الطبعة الثانية، جرّوس برس.

× سلسلة نحن وأولادنا:

* كيف نواجه أسئلة أولادنا عن الجنس؟ الطبعة الأولى 1984، منشورات النور، والطبعة الثانية 1997، جرّوس برس.

* عصبية الولد وتوتّر الوالدين، جرّوس برس.

* الطفل بين أبويه والله، الطبعة الأولى، 1993، منشورات النّور.

* مواقفنا من أولادنا: امتلاك أم إطلاق؟ 1994، جرّوس برس.

* الغيرة الأخوية وتفهّم الوالدين، 1994، الطبعة الثانية، جرّوس برس.

* الولد الخجول وتربية الثقة بالنّفس، 1994، الطبعة الثانية، جرّوس برس.

* المقوّمات النفسيّة الأسريّة لتربية مسيحيّة سليمة للطفل، الطبعة الأولى، 1981، منشورات النّور.

× باللغة الفرنسيّة:

* Le Témoignage de la Communauté Eucharistique, 1992, Edition An-Nour Coop

* Jeûne Et Oralité, 2007, Edition An-Nour Coop

* Ombres Et Splendeur de l’Esprit d’Enfance, 2007, Edition An-Nour Coop