" الفكر عطية كبرى من الله وأحد عناصر الصورة في الإنسان، لذا لا يجوز الكفر به بحجة ما قد يقع فيه من شطط وغرور"
الطالب و العمل الحركي الرسولي

1- الشهادة المسيحية في بيئته الطلابية

أن نوع هذه الشهادة يختلف باختلاف نوع المعهد الذي ينتمي إليه الطالب الحركي.
أ – في المعاهد المسيحية غير الأرثوذكسية: على الطالب الحركي في معهد كهذا أن يثبّت رفاقه الأرثوذكسيين في العقيدة القويمة وذلك بأحاديث تظهر أن الأرثوذكسية كنيسة حفظت بأمانة ذاك التراث الرسولي الحي الذي، وإن كان يتجدد دائمًا تجدد المياه المتدفقة من الينبوع الواحد، إلا أنه يبقى أمينًا للأسس التي عليها بني. عليه أن يضع بين أيدي رفاقه الأرثوذكسيين الكتب الأرثوذكسية القيّمة (باللغة الفرنسية أو الإنكليزية مثلا)، عليه أن يطلعهم على الحياة الروحية العميقة المتدفقة في الكنيسة الأرثوذكسية التي كثيرًا ما يتوهم تلامذة المدارس المسيحية الغربية أنها جامدة ومتحجرة .

وهكذا ينقذ رفاقه الأرثوذكسيين من الشعور بالنقص الذي كثيرًا ما يؤول بهم اما إلى اعتناق مذهب غربي أو إلى الفتور الديني وحتى الإلحاد. وفي هذه المعاهد يتوجب أيضًا على الطالب الحركي أن يؤدي الشهادة الأرثوذكسية بوعي وحزم مقرونين بالمحبة والوداعة أمام الرفاق والمعلمين غير الأرثوذكسيين وأن يتجند إذا دعت الحاجة – كما جرى في طرابلس – للدفاع عن حق الأرثوذكسيين في الاشتراك بالقداس الإلهي يوم الأحد أو عن صحة العقيدة الأرثوذكسية في درس من دروس التعليم المسيحي.

ب – في المعاهد ذات الجو العلماني أو المناهض للدين: في هذه المعاهد يتوجب على الطالب الحركي أن يشهد للحقيقة الروحية الأبدية ولحقيقة المسيح كإله ورب وسيد. ويتم ذلك: 

- بالكلام: بمجابهة التيارات العقائدية المختلفة التي يعبر عنها الطلاب في أحاديثهم داخل المدرسة وخارجها، على أن تجري المناقشة بتفهم كلي لموقف الخصم. ويتوجب أحياناً على الطالب الحركي أن يعارض الأستاذ في الصف – بكل وداعة واحترام بالطبع ولكن بعزم وشجاعة – حول آراء خاطئة يهاجم بها الحقيقة المسيحية، كما جرى ذلك في طرابلس.
- بإعارة ونشر الكتب التي جابه بها المسيحيون في الغرب التيارات الإلحادية  أو كتب المهتدين من الإلحاد ، كما انه ينبغي نشر الكتب التي تعبر عن الفكر المسيحي الحديث. كل ذلك يكشف لغير المؤمنين النور الفائق التي تلقيه المسيحية على مشاكل الوجود ويزيل من المترددين والمشككين وضعيفي الإيمان شعورهم بالنقص الناتج عن اعتقادهم بأن المسيحية ضعيفة الحجة تتهرب من مجابهة تيارات ومشاكل العالم الحديث.

- ولا تكمل الشهادة بالطبع إلا بالاشعاع الشخصي، أي إذا عاش الطالب الحركي المسيحية فعلا وأزال بتصرفه هذه التهمة التي طالما يلصقها غير المؤمنين بالمبادئ المسيحية مدعين أن هذه المبادئ شعرية جميلة بجمال الخيال ولكنها غير فاعلة في الحياة الواقعية. ملء الشهادة هو أن يرى غير المؤمن من خلال شخصية الطالب الحركي شعاعًا لذاك النور الإلهي الكلي الحلاوة الذي ينفذ إلى أعماق القلب.

على الطالب الحركي في احتكاكه بغير المؤمن أن لا يتسرع بل يحترم حرية تلك النفوس التي يريد منها المسيح أن تأتي إليه بملء اختيارها، ولا يجب أن يعتقد أنه هو الهادي إياها، فالرب وحده يعمل في أعماق النفوس مجتذبًا إياها إليه. كل ما يفعله الطالب الحركي هو أن يقتدي بالمعمدان وان "يهيء طريق الرب" مزيلا الحواجز الفكرية أو العاطفية التي تحول دون إقبال رفاقه إلى الرب وبعد ذلك كل شيء يجري في سر عميق، سر النعمة الإلهية والحرية البشرية، وهنا لا يبقى على الرسول إلا أن يصمت ويحب ويصلي.

ج – في المعاهد الأرثوذكسية: علينا أن نعترف بألم عميق أن معظم هذه المعاهد ذات جو شبه علماني وفي بعض الأحيان مناهض للدين. لذلك أقول إن على الطالب الحركي في هذه المدارس أن يعمل قدر استطاعته على جعلها تحترم صبغتها الأرثوذكسية: مثلا يتحد مع الطلاب الحركيين الآخرين ليطلبوا من الإدارة تأمين الصلوات في الصفوف في ابتداء وانتهاء النهار وأن يقوموا عندئذ بتلاوة هذه الصلوات بأنفسهم ولو دعا ذلك إلى الاصطدام بمعلمين أو تلامذة ملحدين، كما جرى ذلك في إحدى المدارس الأرثوذكسية، وأن يطلبوا وضع أيقونات في الصفوف وتنظيم الاعتراف والمناولة لطلاب المدرسة مرة أو مرتين في السنة.

 كل ذلك بالطبع لا يكفي، فالإصلاح المطلوب لمدارسنا الأرثوذكسية إصلاح جذري ولكن هذا الجهاد، الذي يشبه أحياناً إلى حد ما جهود المقاومة في بلاد محتلّة، يهيئ ويضمن المستقبل. ومن الأهمية بمكان، كي لا يترك للمغرضين مجال تشويه معنى هذا الجهاد الأرثوذكسي، أن يظهر الطالب الحركي لجميع رفاقه بتصرفاته كلها بطلان المزاعم التي تخلط بين التدين والبغضاء، بين التمسك والتعصب.

د – في كافة المعاهد: وهناك واجب عام على الطالب الحركي أن يقوم به مهما كان المعهد الذي ينتمي إليه وهو العمل على تنقية الجو من الناحية الأخلاقية وذلك بالاختلاط في الأحاديث الطلابية لتوجيهها نحو مواضيع ذات قيمة إنسانية، بنشر الكتب التوجيهية وقد كُتب البعض منها بأسلوب يفتح لها قلوب الشباب، والتي يعالج البعض منها، بكثير من التفهم لنفسية الشباب، القضية العاطفية التي تقلقهم ، هناك أيضاً نقد الأفلام التي يشاهدها الطلاب سواء بالحديث أو بإصدار نشرة صغيرة في الموضوع. على الطالب الحركي أن يسعى لإيجاد جو من الأخوّة والتعاون والفرح في صفه وأن يهتم بجميع حاجات رفاقه ويصغي بانتباه وعطف إلى ما يفضون به إليه حول مشاكلهم وصعوباتهم. إن التأثير الأكبر يأتي من شخصية قوية متزنة محبة منفتحة لا تخاف من مجابهة واقع الحياة بل تنظر إليه في نور المسيح النقي الهادئ وتندفع في البذل والعطاء.

2 – التأثير على الفئات الحركية الأخرى

على الطلاب أن يشكلوا في الحركة تلك الفئة المفكرة، تلك الـ"intelligentzia" التي إن قرنت وأحيت تفكيرها بالمحبة يمكنها أن تؤثر كثيراً على المجموعة وأن تكون خميرة قوية في وسط العجين. لذلك يطلب من الطلاب الحركيين أن يتكلموا كلما اقتضى الأمر في الاجتماعات العامة وأن يتطوعوا للقيام باجتماعات الفرق المختلفة. عليهم أن يختلطوا بنوع خاص بإخوانهم العمال وقد أثبت اختبارنا في مركز طرابلس أن اختلاطًا كهذا نافع جدًا للطرفين: فالعمال الذين يكنّون للعلم احترامًا لا يُقدّر وإجلالا عظيمًا يتأثرون بشهادة الطالب المسيحية ويقتنعون وجدانيًا ببطلان الخرافة التي تنشرها بينهم دعاية مغرضة كاذبة، خرافة تنافي  العلم والإيمان، كما أن الطالب بدوره، إذا عرف أن يخرق بمحبته تلك القشرة الخشنة التي تفصله عن العمال، يستفيد كثيراً من النضوج الذي أكسبتهم إياه الحياة ومن عواطفهم الإنسانية الرائعة وشجاعتهم في مجابهة واقع حياتهم المؤلم أحيانا ومصاعب العمل اليدوي المرهق، ويدرك بوضوح قيمة العمل اليدوي ومأساته في العالم الحديث. في هذا الاتصال الأخوي بين الطلاب والعمال ما يساهم في حل المشكلة الاجتماعية.

3 – الإنتاج الأدبي

للطلاب إمكانيات خاصة في عمل الشهادة المسيحية تخولهم إياها ثقافتهم، ومنها مقدرتهم على الإنتاج الأدبي. إننا بحاجة ماسة إلى خلق أدب مسيحي باللغة العربية، وأظن انه يترتب على طلابنا أن يتدربوا منذ الآن على إيجاد أدب كهذا. وقد رأينا في طرابلس طلاباً ينظمون قصائد من وحي مسيحي ويقرأونها في الاجتماعات العامة والاحتفالات الحركية، رأيناهم يترجمون مقاطع أدبية ذات قيمة روحية لطاغور أو غيره بلغة عربية متينة شعرية، رأينا أحدهم يجتهد في وضع مسرحية ذات موضوع ديني حركي...

 كل ذلك يكشف طاقة عظيمة يجب أن تستخدم لخدمة الرب وكنيسته، ويبشر بمستقبل زاهر. ولكننا نرجو أن تعم هذه الجهود وتوجه وتنظم وقد اقترح مثلا أحد الطلاب في طرابلس إيجاد ندوة أدبية في الحركة والفكرة على ما أظن جديرة بكل اهتمام... إننا بحاجة في الحركة إلى تجديد تراثنا الشعري والموسيقي، تراث أناشيدنا التي مضى على تأليفها عهد بعيد، فهل يوقظ طلابنا جذوة الشعر الحركي ويرفعون شعلته من جديد ويوقّعون على أوتار قلوبهم أنشودة جهاد الحركة الحاضر وآمالها؟ ... إننا إياهم لمنتظرون.

4 – التطوع للعمل في مختلف فروع النشاط الحركي

وأخيرًا – لا آخرًا – يمكن للطلاب – بالنظر إلى الوقت الذي يتمتعون به والى الدرجة الثقافية التي هم عليها حاصلون – أن يجاهدوا أكثر من الأعضاء الآخرين في كافة فروع النشاط الحركي من تعليمية وتربوية وتبشيرية واجتماعية:
أ – في العمل التربوي : على الطلاب أن يهتموا اهتماماً خاصاً بمنظمات الطفولة التي منها يتخرج حركيو الغد. ويمكنهم، إذا تطوعوا للعمل بين الأولاد، أن يقوموا به على أساس الدرس العلمي لنفسية الطفل والطرق التربوية الحديثة. ويمكن أن ينظم المركز – بموجب أحد قرارات المؤتمر الثالث لمنظمات الطفولة – دروسًا خاصة لإعدادهم لمهمتهم التربوية هذه، دروساً تشتمل على معلومات دينية وسيكولوجية وتربوية وعملية. على هذا الأساس أوجدت في طرابلس في هذا الصيف "حلقة إعداد المربين" التي لا يقبل في عداد طلابها مبدئيًا إلا الطلاب الذين تجاوزوا مستوى الشهادة التكميلية.

ب – في التعليم المسيحي : الذي تؤمنه الحركة في المدارس الأرثوذكسية والرسمية. ففي طرابلس يؤمن الطلاب الحركيون الجامعيون والثانويون معظم هذا العمل التعليمي الهام.

ج – في العمل التبشيري : الذي تقوم به الحركة في القرى. وهكذا في طرابلس طلاب ثانويون وجامعيون يتوزعون في الآحاد بعد الظهر على الفروع الحركية في القرى لتأمين اجتماعات الفرق والإشراف على سير منظمات الطفولة والتعاون مع الأخوة المجاهدين هناك.

د – في العمل الاجتماعي : يمكن للطلاب الحركيين إلقاء الدروس في المدارس الليلية. فهناك مثلا في طرابلس طالب في الطب يلقي على صف من العمال الحركيين دروساً في تركيب الجسم البشري ووظائفه بأسلوب رائع يجعلهم يصغون بكل انتباه ويلمسون لمس اليد حكمة الله السامية في خليقته. ويستطيع طلاب الطب الحركيون أن يساهموا في العمل الاجتماعي الحركي بالإشراف على صحة العائلات المحتاجة وإسعاف مرضاها، وسيستلمون في طرابلس مركزًا صحيًا وضيعًا يكون بمثابة نواة المستوصف الذي سوف يديرونه بعون الله عندما يتخرجون من معهد الطب.

وفي الختام أضرع إلى الرب يسوع "الطريق والحق والحياة" أن يكون معكم يا طلابه الأحباء وأن يأخذ بيدكم إلى ما فيه نموكم الروحي وخلاص مجتمعكم الطلابي وخير الكنيسة التي اقتناها بدمه.

 

22 آب 1956
ك.ب.
العدد العاشر من مجلة النور سنة 1957