" الفكر عطية كبرى من الله وأحد عناصر الصورة في الإنسان، لذا لا يجوز الكفر به بحجة ما قد يقع فيه من شطط وغرور"
خواطر في "المصاحبة" وشروط نجاحها.

 

 أنت الذي تود ان "تصاحب"، أنتِ التي ترغبين ان "تصاحبي"، هل ترغبان ان تكونا على بيّنة مما سوف تقدمان عليه، ان تدخلاه مفتوحي الأعين، كي تأتي خبرتكما هذه أكثر غنىً وأقل خطرًا؟
 لا بد إذاً ان تواجها السؤال: ما هي المصاحبة في آخر المطاف؟ فتجدان انها توظيف لطاقة الحب التي بدأت تتيقظ فيكما، تفتنكما وتقلقكما بآنٍ معًا, توظيفها في ممارسة على الأرض تسمح باكتشافها وبلورتها، وتقصّي مجاهلها وأبعادها، وكل هذه الأحاسيس الجديدة التي تَعِدُ بها.

إنها بعبارة أخرى، ممارسة "لعبة الحب"، و"اللعبة" هنا أمر بالغ الجدية، كجدية الطفل الذي يلعب أن يكون سائقًا، أو بائعًا، أو أبًا أو أمًا... يلعب أدوار الحياة ليكتشفها من الداخل، لذا تراه ينصرف الى لعبه بكل اهتمام، ويضع فيه كل قلبه.

  ولكن "لعبة الحب"، على جديتها، تبقى مع ذلك لعبة، لأن انهماك المراهق (المراهقة) بشخصيته النامية لا يسمح له بعد بالتفرغ إلى الآخر، الذي يقتضيه الحب المكتمل. فالتفرغ الى الآخر يفترض ان ينسى المرء ذاته إلى حدٍ ما. والمراهق (المراهقة) يصعب عليه أن ينسى نفسه بتأزمها وتعقيداتها وتناقضاتها.

 "المصاحبة" لعبة الحب إذًا، وليست الحب عينه. إنها مجرد اكتشاف واستعداد له. فإذا شئتَ (شئتِ) أن لا تخدع نفسك وأن تعيش هذه الخبرة مفتوح العينين، ينبغي أن تراها على حقيقتها هذه.

 فإذا كانت المصاحبة "لعبة الحب"، فإنها تقتضي، كي تكون ناجحة، أن يكون لها، ككل لعبة، قاعدة. والقاعدة الأساسية، كما في كل لعبة، هي عدم الغش، أو، كما نقول بالعامية، عدم "الزعبرة".

 فمن "يصاحب"، مطلوب منه كي ينجح في "مصاحبته"، كي تغتني شخصيته بها وتنمو، كي يتجنب إيذاء نفسه والإضرار بالآخرين، أن يمتنع عن "الزعبرة" في ثلاثة مجالات:

- أن لا "يزعبر" على موضوع اللعبة.
- أن لا "يزعبر" على شريك اللعبة.
- أن لا "يزعبر" على نفسه.

أن لا "يزعبر" على موضوع اللعبة أولاً. فاللعبة هي، كما قلنا، لعبة الحب. لذا ينبغي أن تكون حقيقة لعبة الحب، وليس لعبة سواه تحت اسمه. والحب لا يمكن أن يكون حبًا إن لم يكن اتجاهًا إلى الآخر، اهتمامًا به هو على قدر اهتمامي بنفسي، وإلا كان كذبًا وخداعًا.

لذا فمن "يصاحب" فعلاً ينبغي أن يرى صاحبه (أو صاحبته) مهمًا بحد ذاته ومن أجل ذاته، لا أن يرى فيه مجرد أداة لبلوغ ما يبغيه هو، مجرد وسيلة للمتعة والتباهي، ينبغي أن يذهب إلى أبعد من "إعجابه" بشكله ليتعرف على خصائص شخصه، ينبغي أن يهتم بمعرفة آرائه وميوله، أفكاره ومشاعره وأحاسيسه، هواجسه وهمومه، مصاعبه ومشاكله. ينبغي أن يسعى إلى راحته وسعادته كما يريد الراحة والانتعاش لنفسه. وإلا فإنه "يزعبر" ويغش، لا يعرف من الحبّ سوى الاسم، ويخفي تحت هذا الاسم نقيضه، فيؤذي نفسه إذ يحرمها من نعمة الحبّ، ويؤذي الآخر باستغلاله إياه.

أن لا "يزعبر" على الشريك ثانيًا، أي أن يتخذ شريكًا بالفعل، لا مجرد ألعوبة يتسلى بها ويلهو، أن يلعب معه "لعبة الحب"، لا أن يلعب به (أو بها) ويتلاعب بمشاعره إرضاءً لنـزواته هو، كأن ينوي مثلاً مصاحبته لفترة عابرة يقضي فيها حاجته إليه، إلى أن يملّ منه وينبذه نبذ النواة، ويفتش عن بديل "يغيّر به على ضرسه" كما يقال، غير آبه بما يخلفه ذلك لدى الرفيق الأول من خيبة ومرارة، أو أن يتظاهر بالإعراض عنه والتحول إلى سواه، ليثير بذلك غيرته وعذابه، فيحكم سطوته عليه. لأن من يتصرف على هذه الصورة تصبح علاقته بـ"صاحبه" أو "صاحبته" لا علاقة بشريك ينتعش ويفرح ويغتني بشراكته، بل بمجرد شيء يلهو به، ويذلّ الرفيق بتحويله إلى دمية، ويبقى هو وحيداً في صحراء أنانيته.

أن لا "يزعبر" على نفسه أخيراً، فيتوهم أنه (أنها) قد بلغ بالمصاحبة تمام الحب، في حين أنه لا يزال على الدرب، لا يزال يحاول الوصول، ينسى أنه لم يبلغ بعد ما يكفي من النضج ليقفز قفزة الالتزام الكلي وأن شخصيته تجتاز في نموها فترة تغير متسارع يصعب معها أن تستقر على قرار، فكيف لها أن ترتبط نهائياً بآخر؟
ينسى أنه لا يزال بعد في الطريق، متوهماً بأنه قد وصل، فيتعرض لصدمة أليمة إذا ما رأى مشاعر الرفيق تفتر والتباعد يحلّ محل القربى، أو انه يعرّض رفيقه لمثل هذه الصدمة إذا ما تغيّرت مشاعره هو حياله. من هنا أنه ينبغي، لكي لا يخدع نفسه، أن يتذكر دومًا، ويذكّر الصاحب أو الصاحبة أنهما لم يبلغا الحب بعد، إنما هما سائران على دربه، يسيران بإخلاص، لكنهما قد يصلان أو قد لا يصلان. فإذا سارا بهذا الوضوح واكتشفا، في وقت ما، أنهما وصلا، يفرحان باكتمال حبهما، وإذا لم يصلا – وهذا محتمل جدًا – يفترقان دون مرارة لأنهما لم يتسرعا ويستبقا الأمور، ولم يقعا في شرك الوهم. فيتابع إذ ذاك كل منهما دربه الخاص، ويبقيا على صلة طيبة. وتبقى الخبرة التي عاشاها معاً ولو لم تكتمل، مصدر فرح لهما وذكريات حلوة، أكسب شخصيتهما غنىً ونضجًا يمهدان لحب مستقبلي.

 صديقي الفتى، صديقتي الفتاة، أرجو أن أكون قد توصلت أن أوضح لك أن خبرة "المصاحبة" خبرة جميلة بالتأكيد، ولكنها ليست طريقًا سهلة، مفروشة بالورود، ولا تحتمل أن يندفع المرء فيها بخفة وطيش، بل تتطلب، لتكون ناجحة ومنعشة، الكثير من الوعي والانتباه والتعقل والصدق ومراقبة النفس وتهذيب المشاعر، وأن المراهق أو المراهقة ينبغي أن يخوضاها بروح المسؤولية بدل الاندفاع الأَهوَج وراء المشاعر وحدها، أو مجرد الانسياق إلى ما هو شائع بين الرفاق، وأنه (أنها) يحتاج، إذا خاضها، إلى الاسترشاد، بالله أولاً، فيتخذه نورًا لقلبه ومرشدًا لخطاه، وثانيًا، بأشخاص ذوي خبرة يرتاح لهم ويثق بهم ويفتح لهم قلبه.

12/12/2000